04 نوفمبر 2025

تسجيل

تحفيز التنافسية في الأسواق الخليجية

18 سبتمبر 2013

رسمت دول مجلس التعاون الخليجي لعملها المؤسسي خطا واضحاً للتنافسية يتناغم مع تطور أسواقها واحتياجات مجتمعاتها ويتجنب تأثيرات الأزمات الدولية. وهيأت دول التعاون للتنافسية مكانة إستراتيجية، ترتكز على الاستقرار في رأس المال، وتستفيد من عوائد الاقتصاد، وتوظف الفوائض في حركة الإنشاءات والبناء التي تشهدها المنطقة في السنوات العشر الأخيرة. وسأتحدث هنا عن دور الأسواق في تعزيز فرص النمو وجذب الاستثمارات وسأتناول السوق القطري باعتباره نموذجا للتنافسية على مستوى الشرق الأوسط وفق أحدث تقرير دولي نشر مؤخراً، وباعتباره احتل المركز "13" ضمن قائمة الاقتصادات الأكثر تنافسية في العالم من بين "148" دولة. وتعني التنافسية كما أوضحتها المفاهيم الاقتصادية بالاقتصاد القادر على الإنتاج والاستثمار والنمو والتطور، ومواكبة احتياجات مجتمعه إضافة إلى كسب الثقة والجذب والتفاعلية. ويشير تقرير التنافسية لدول الخليج إلى أنها تمتلك قدرة كبيرة من تمكين اقتصاداتها في الأسواق بمستوى أعلى مقارنة مع الأسواق الناشئة، استناداً إلى معيار الجودة في تحديد مستوى الإنتاجية، وهي تقوم على دعائم مؤسسية وكفاءة أسواق السلع والعمل والأداء والجاهزية التقنية والتعليم العالي والتطوير. فالتنافسية السوقية تحتكم إلى مقاييس الجودة والأداء والتوزيع النوعي وتوسيع فرص الاستثمارات محلياً وخارجياً ورضا العملاء عن الإنتاج بما يتيح للسوق المحلية النمو بشكل توسعي. ويبين تقرير تنافسية السوق القطري أنّ الدولة تصدرت الدول العربية للسنوات الست الماضية على التوالي بفضل قوة هيكلية مؤسساتها واستقرار اقتصادها الكلي وكفاءة أسواق السلع وبيئة الأعمال وتشجيع المؤسسات على استخدام التكنولوجيا على نطاق واسع، أضف إلى ذلك عوامل أساسية أهمها الاستقرار والتحفيز الحكومي وحجم الإنفاق السخي على المشروعات. وتعني التنافسية في الأسواق، كما أراها، استقرار بيئات الأعمال من مبادرات اقتصادية وتشغيل لرؤوس الأموال وجذب استثمارات تعمل على تحريك السوق، إلى جانب عوامل الاستقرار والتحفيز والتشريعات التي تعزز من قوة التنافسية. ويقاس نجاح اقتصاد أيّ دولة بمدى الثقة التي حققها لدى المستثمرين والمبادرين، وبقدرته على التمكين في بيئات الأعمال، ثم يساندها بعد ذلك حجم العمل الفعلي. ورغم التحديات التي تواجه منطقة الشرق الأوسط من سياسية واقتصادية، والتي نرى تأثيرها سلباً على النمو الاقتصادي فيها إلا أنّ دول التعاون قادرة على تخطي الصعوبات من خلال آليات عمل منظمة وتشريعات ميسرة للاستثمارات وجذب الثقة للسوق الخليجية. ومما يعزز من قوة الأسواق الخليجية هو حجم المشروعات العملاقة التي تنفذها دول التعاون حالياً وترتكز في مجملها على البنية التحتية والخدمات والاتصالات والقطاع غير النفطي. ويعزز قوة الأسواق الخليجية ارتفاع فوائض الموازنات المالية، وإجراءات التحفيز الحكومية لمؤسساتها المالية، وزيادة الإنفاق على المشروعات القائمة وزيادة مخصصات الميزانية العالية لتطوير البنية التحتية، ودخول شركات عالمية واستثمارات خارجية في مشروعات عدة. يشير تقرير المركز المالي الكويتي إلى أنّ حجم المشاريع القائمة بدول التعاون بلغ "3،3" تريليون درهم، وبلغت القيمة المالية للمشاريع "900" مليار دولار، فيما بلغت قيمة مشاريع مواد البناء "1،89" تريليون درهم. وهذا يؤكد مدى حاجة الأسواق إلى الشباب في كل القطاعات لمواكبة احتياجات النمو السكاني، والتوسع في الأسواق، والحاجة الفعلية إلى بناء شراكات بين القطاعين العام والخاص، فالأسواق في حاجة إلى زيادة فرص دخول الشباب في بيئات الأعمال لتأسيس شركات ومصانع ومؤسسات مالية وخدمية وصناعية للفوز بتعاقدات مع المشاريع القائمة، ولتحقيق استفادة الجيل من الخبرات الموجودة ليتمكنوا من بناء رؤية مستقبلية مستندة إلى الخبرة والمراس. ففي ظل تزايد أعداد السكان بدول التعاون، وهي زيادة أيضاً في منطقة الشرق الأوسط، فلا بد أن تواكبها زيادة في تفاعلية بيئات الأعمال، وألا تظل الأسواق الخليجية كما هي عليه اليوم، لأنّ الاقتصاد العالمي يشهد حراكاً غير عادي ويدخل كل يوم تطوراً نوعياً جديداً ولا بد أن تنشأ بيئات أعمال للشباب الخليجي أكثر تنافسية في السوق العالمية وأكثر تأقلماً مع التحديات القائمة. ويشير تقرير بنك قطر الوطني إلى أنّ زيادة وتيرة المشروعات العملاقة في قطر تزامنت مع خطط التطوير الكبرى المرتبطة بالغاز والطاقة، وهذا رافقه تدفق بشري كبير وزيادة سكانية ملحوظة لتشغل الفرص الوظيفية التي نشأت من حراك الإنشاءات. وتشير التقارير الدولية إلى أنّ النمو السكاني يعود إلى حجم الوظائف التي أوجدتها الاستثمارات الضخمة محلياً وخارجياً، وما رافقه من استثمارات في مجالات الإسكان والطرق والمدارس. وفي خضم المتغيرات.. تواجه المنطقة تحديات جمة، أهمها عدم استقرار الشرق الأوسط، وتراجع أداء الاقتصادات العربية بسبب النزاعات، أضف إلى ذلك عوائق سابقة مثل قلة التمويل وغياب الخطط المستقبلية. وقد تكون الأسواق الخليجية الأفضل حالاً بفضل الدعم الذي توليه الحكومات وقدرتها على ابتكار نماذج لأنشطة اقتصادية جديدة وقدرتها على تجاوز العقبات التي تعيشها دول عربية بفضل الإمكانات المالية الكبيرة والرغبة الحقيقية لدى صناع القرار في التنويع في الأسواق وتعزيز استخدامات التكنولوجيا في القطاعات المختلفة وصياغة تشريعات مشجعة تنسجم مع الوضع الراهن لاقتصادات المنطقة وتطوير الأدوات المالية في أسواق المال لاستقطاب استثمارات تعزز من الفرص القائمة. وأخيراً.. فإنّ التوسع في الأسواق الخليجية لا بد أن يرافقه دعم وتحفيز الشباب على ابتكار نماذج اقتصادية أكثر ملاءمة، يمكنها تحقيق القدرة والتمكين والثقة في التنافسية العالمية.