27 أكتوبر 2025

تسجيل

المسرح مدرسة كبيرة وفريدة

18 أغسطس 2016

الإنسان في كل بقاع الأرض كائن مبدع بامتياز، وفي خصوصية الإبداع المسرحي التي عايشناه على مدار خمسة أيام مطلع الأسبوع المنصرم من 27 مارس إلى 2 أبريل من هذا العام احتفالا رائعا بمناسبة يوم المسرح العالمي تحت رعاية وزارة الثقافة والرباضة حديثة التكوين، وتفجرت خلال تلك الأيام طاقات الشباب وجسدت فنونهم على خشبة مسرح قطر الوطني تلك الإبداعات المسرحية، فجاءت الفرصة محفزة لعرض فنونهم وتجاربهم المتجددة، تحقيقا للمقولة الشهيرة "إن الإبداع بمعناه الضيق يشير إلى القدرات التي تكون مميزة للأشخاص المبدعين" . إن المسرح لا يستقيم الحديث عنه ما لم يتم اعتبار جميع مكوناته متشابكة لأنه فن تركيبي بامتياز، وعليه فالإبداع المسرحي ما هو إلا إنتاج تجديدي وهو شيء غير النص فقط، إنه النتاج المركب من النص والتمثيل والإخراج وهندسة المناظر والأزياء والموسيقى والتشكيل، فهل يمكن أن نحلم ولو سرا-وليس علانية- بغد يشرق فيه فجر الإبداع المسرحي الحق من جديد؟. من العبث أن يقول المرء هنا بأن تمثيلنا الراهن ينمو بخطوات وطيدة أو متنوعة صوب الإبداع الحق نظرا لتركيزه على الإلهاء والإضحاك الهزلي فممثلنا المحلي لا يمكن اللحاق بركب الفن في العالم لمجرد أنه يمتلك الرغبة في ذلك، فلكي يكون قريبا إلى التمثيل عليه أن يكون أقرب إلى اتجاهات الفن التمثيلي في العالم رغم إمكاناته الجسدية المتواضعة، وهذا ما ترك الباب مشرعا لكل من "هب ودب" يعتلي هذه الخشبة الكسيحة ويدعي التمثيل وقد لا تربطه به إلا الرغبة الملحة في الظهور والانتشار الواسع. كل المحاولات الجادة في التمثيل والنصوص المسرحية تتلاشى أمام اللامبالاة التي يبديها المتلقي نحو الإبداعات المسرحية التي يعتبرها ثانوية على الرغم من أساسيتها ودورها في الرقي بالعمل نحو الإبداع المنشود، إن أوضاعا كثيرة ثانوية وراء هذا الانتكاس الإبداعي في مشهدنا المسرحي تجعلنا حتى الآن نعد المبدعين المسرحيين في كل جوانب الإبداع رقما بالكاد يعد على أصابع اليد، فهل استكفينا بحصتنا من المبدعين؟ أم هل نعيش على رأسمالنا الموروث؟ هل نستطيع أن نفعل شيئا بهذا الخصوص؟ بالفعل نستطيع.. كيف؟! بالرعاية. الاهتمام بالإبداع والمبدعين من شأنه أن يقود المجتمع بأكمله نحو مرحلة متقدمة من الرفاهية الاجتماعية، ويرى العديد من الباحثين أنه لتشجيع التفكير الإبداعي فلابد من إدخال مجموعة من التعديلات الإبداعية على نظم التعليم الموجودة حاليا، وهذا يتطلب رعاية خاصة تعتمد على مبدأ التحفيز والتشجيع المتواصل، فهل تقوم مؤسساتنا التعليمية بتشجيع الإبداع المسرحي ورعايته؟ هنا مربط الفرس. رعاية الإبداع المسرحي تعني بالضرورة اهتماما مركزيا بالقدرات الإبداعية الكامنة عند الفرد، ولا نقصد بها ذلك المفهوم الرخيص الذي يربطها بالدعم المادي ولكن نعني بها التكوين والتنمية، لأن تكوين الإنسان المبدع وتنمية قدراته لا يتم دائما بصرف منح تشجيعية بقدر ما يتم بتنظيم مهرجانات جادة وتدريبات مستمرة وفتح معاهد عليا ومتوسطة للمسرح في جميع البقاع. بمفهوم آخر فإن رعاية الإبداع المسرحي دعوة إلى التفكير في طرائق يمكن أن تساعدنا على تكوين أناس مبدعين ليس فقط داخل المدارس والمعاهد، وإنما أيضا في البيت وعن طريق وسائل الإعلام. نتمنى لهذه الرعاية خروجها العاجل من الوجود النظري إلى الوجود الفعلي لنقود بها المجتمع نحو التقدم وتأكيد الاعتبار لهذا الصرح الجميل، وعلى حد تعبير "غوغول" فالمسرح "مدرسة كبيرة وفريدة من نوعها". وسلامتكم.