31 أكتوبر 2025
تسجيلتخيل عزيزي القارئ، أنك في يوم ما، ذهبت إلى جهة حكومية ما، لتخليص معاملة ما، واكتشفت أن هناك بيانات شخصية غير صحيحة أو ناقصة أو طُلب منك توفير أوراق أو مستخرجات من جهات حكومية أخرى، كاستخراج صورة من شهادة الميلاد أو عقد زواج أو شهادة درجات الثانوية العامة أو صورة لسجل تجاري...الخ، فبلا شك أنك لن تحصل على جميع هذه البيانات من جهة واحدة، وإنما ستضطر إلى مراجعة وزارة التعليم والتعليم العالي للحصول على شهادات الدراسة، ووزارة الصحة فيما يخص شهادات الميلاد، ووزارة العدل ووزارة الاقتصاد ووزارة التنمية الإدارية والعمل وهلم جرا، وسيتكرر الأمر بشكل أو بآخر وستواصل الجري والسعي من هنا وهناك حتى تسطيع جمع هذه البيانات وتقديمها لاستكمال متطلبات المعاملة. فماذا لو كان هناك إدارة أو لنقل قسم أو حتى مكتب صغير في كل جهة حكومية يكون تابعا لهيئة أو مركز وطني للبيانات، يتم من خلاله توفير هذه المتطلبات لجميع الجهات دون حاجة المراجع، مواطنا كان أو مقيما، للجري بين الهيئات الحكومية المختلفة لأصدار أو استخراج صور من مراسلات أو شهادات أو بيانات، ولن يقتصر الأمر في هذه الحالة على تسريع إنهاء المعاملات وحسب، وإنما سيساهم بربط جميع هذه البيانات في مركز موحد، مما سيسهل من عمل الموظف الحكومي، كما سوف يساعد وبشكل كبير إلى اختزال الوقت المطلوب لإنجاز المعاملة، ويقلل من الإجراءات الروتينية الطويلة. فنحن في الوقت الحاضر نستخدم منصات حكومية مختلفة لإنجاز معاملاتنا، "كمطراش وعون وحكومي وأبشر وغيرها"، وتطلب منك كل منصة من هذه المنصات بالقيام بالتسجيل وتحميل مرفقات تكون عادة صورة من البطاقة الشخصية والعنوان وغيرها، ومن ثم تختار اسم مستخدم ورقماً سرياً يكون مختلفاً عن باقي المنصات الحكومية الأخرى، وبعد ذلك وعند تقدمك لطلب خدمة ما، فإن كل منصة على حده ستطلب منك تحميل صور بيانات معينة لا تتوفر في قاعدة بياناتها، ولعل المضحك المبكي أحياناً، أنك عندما تتقدم بطلب آخر على نفس المنصة بعد فترة من الزمن، فإنه سوف يطلب منك تحميل صور نفس البيانات مرة أخرى، مع أنك قد سبق أن أرفقتها من قبل. وحتى تتضح الصورة أكثر، دعوني أضرب لكم هذا المثال الذي حدث معي شخصياً، فعند تقديمي طلب لمعادلة شهادة الماجستير، تم طلب شهادة الثانوية وكشف بالدرجات، والتي هي صادرة أصلا من نفس الوزارة، وكان لابد من مراجعة قسمين مختلفين في وزارة واحدة لتوفير هذه المعلومات، وتكرر هذا الأمر معي عندما تقدمت لمعادلة شهادة الدكتوراه، فقد تم طلب نفس الأوراق مرة أخرى، وقد يتكرر هذا الأمر على نفس النسق في جهات حكومية أخرى. إن إنشاء مركز وطني موحد للبيانات يحتوي على جميع البيانات الخاصة بالمواطنين والمقيمين سوف يدعم وبشكل قوي وفعال في تحقيق الحوكمة الإلكترونية المتكاملة بين الجهات الحكومية على كافة المستويات، وسيساهم في رفع الكفاءة الوظيفية لإنهاء المعاملات، وسيقلل من الإجراءات الروتينية والبيروقراطية. ولكن ماهي آلية عمل هذا المركز؟ وللإجابة على هذا السؤال.. اسمحولي أن أقدم هذا المقترح المتواضع؛ فالمركز يتم إنشاؤه كجهة مستقلة تكون تبعيته لمجلس الوزراء الموقر، ويقوم بربط جميع قواعد البيانات الحكومية في الدولة بقاعدة بيانات مركزية رئيسية تسهل من تبادل المعلومات بين الجهات الحكومية، على أن يتكون المركز من إدارات داخلية وأقسام أو وحدات خارجية. فالإدارات الداخلية هي المعنية بالعمليات الفنية والتكنولوجية والإدارية والتشغيلية داخل المركز، بينما تتواجد الوحدات أو الأقسام الخارجية في الهيئات الحكومية وشبة الحكومية المختلفة، وتقوم بتوفير البيانات والمعلومات اللازمة لهذه الجهات، كما تعمل الوحدات الخارجية على تحديث البيانات بشكل مستمر ورفعها لقاعدة البيانات الرئيسية بالمركز. وللحفاظ على السرية والأمان يجب أن تكون هناك درجات أو مستويات مختلفة لقدرة الموظف أو المشغل التابع للمركز بالحصول أو الاطلاع على المعلومات والمتعلقة بشخص ما، ويتم وضع بروتوكولات أمنية، كلٌ على حسب اختصاصاته الوظيفية. وختاماً أقول: لقد شهدت دولتنا الحبيبة الكثير من التقدم والتنمية والتطور في المجالات المختلفة وخصوصاً في تكنولوجيا الخدمات الحكومية الذكية، ولكن لازالت هناك بعض المعوقات البسيطة والتي وبدون شك يعمل القائمون على هذه الخدمات ببذل كل الجهد في توفير الحلول الناجعة والفعالة للتغلب عليها، وباعتقادي إن تأسيس مركز للمعلومات أو البيانات الوطنية هو خطوة إيجابية لتحقيق الحوكمة الإلكترونية ذات الكفاءة العالية والفعالة. @drAliAlnaimi