16 سبتمبر 2025

تسجيل

المسلم الأخير

18 يوليو 2019

جسده آية؛ كل ما فيه ينبض ببساطة الإسلام، قلبه سليم، قرآنه إنسان كرَّمه الله، يؤدي فروضه، يرعى جاره، يُحسن إلى الفقراء والمحتاجين، يتعامل مع الجميع بمسطرة الإنسانية، لا يهمه بل ربما لا يعرف عقيدة صاحب المتجر الذي يشتري بضاعته منه، كل أهل الفريج مسلمون في نظره، لا ينوي على شر، ولا يكتنز حقداً، ولا يحمل حسداً. يفتخر بتاريخه ويعتز بلغته، بيئته طاهرة، مجلسه فواح برائحة الأخُوة، الإسلام عنده واضح وبسيط، قلب سليم ومحبة ورحمة، لا يحتاج إلى تصنُع، ولا إلى التكلف ولا إطالة اللحى، ولا إلى شيخ يقلده أو مطوع يلبس جلبابه. يؤدي واجباته الدينية وكفى، ويقوم بحاجاته الدنيوية بإنسانية لا تعاني من ضغط مهما كان نوعها دينية كانت أم اجتماعية.  في المسجد لا يستمع إلى خطبة إيديولوجية تحت شعار ديني، لذلك عالمه ليس منقسماً ولا يعاني من الانشطار النفسي، خطيب المسجد عنده موظف إذا لم يدرك شيئا من عادات المجتمع وقيمه وسلوكياته أرشده وعلمه. يرى الخير في جميع الناس، لم ترد إلى سمعه كلمة التكفير بعيد، إذا غم عليه شيء أو استشكل عليه أمر سأل أحد المشايخ القريبين والمعدودين عنه، كان ينشر الدين عمليا، ويحبب فيه الغريب تعاملاً، وطنه ليس مجالاً للمساومة، إسلامه ليس على حساب وطنه، ولا وطنه مشروعاً أصلا لانتهاك إسلامه. عايش المد القومي ولم يتأثر إسلامه به، يدرك أن الإسلام الحقيقي ليس في تضاد مع قوميته العربية، لم يخلط بين الفكرة والتطبيق، كان حصيفا رائعا، لأن إسلامه إنساني، لا يعمم، ولا يتهم، ولا يبحث في النوايا والسرائر، آذانه بسيط بلا ميكروفونات صاخبة، وصلاته بلا بروفات، كان مرتفعا إلى مستوى الدين، ولم ينزل به إلى مستوى نزعات النفس البشرية وشهواتها، تغير الإسلام من حوله وإذا به يُتهم بالمسلم الساذج الذي لا يثور، وأنه لابد له من بيعة، ولابد له من فصيل يتبعه وآخر يتبرأ منه، وأحضر له كتالوجا من الماضي لكي يحدد أمره ويحزم شأنه ويبدأ إسلاما جديدا يقوم على الولاء والبراء، وليبدأ بعشيرته الأقربين، هذا لا يصلي فهو كافر، وجاره يتأخر عن صلاة المسجد فهو رافضي، والتاجر الذي يتبضع من متجره يدخن بشراهة فهو عاص ولا يجب الاستمرار معه، وأحد مرتادي مجلسه غير متزوج فهو خطر ويجب نهره وإبعاده، وخطيب مسجده يدعو للحاكم بالصلاح فهو منافق، وتنبه إلى أن التلفزيون مفسدة، فحرم بيته مشاهدته، وطبيب السكر الذي يعالجه زمنا مسيحي فتبرأ منه، والخادمة في بيته بوذية فطردها، اجتماعيته تحولت إلى فردانية قلقة متوجسة ، هكذا استحال الإسلام من طمأنينة إلى قلق وتوجس فانهمرت دموعه، وأصبح ليله بكاءً ونهاره استغفاراً على ما فرط قبل ذلك، فهو لم يكن مسلماً كما ينبغي قبلا هكذا أرشده وعيه بالرغم من كونه إنساناً رائعاً، وهنا المفارقة.    [email protected]