14 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); كانت ليلة طويلة بالفعل، تلك التي عشناها ليلة الانقلاب على الشرعية في تركيا، كنت أتساءل وأنا أرى الملايين من الشعب في المدن التركية المتعددة، من أولئك الذين استجابوا لدعوة رئيسهم المنتخب أردوغان بالنزول للشارع، والتصدي لمحاولة انقلاب بعض أفراد الجيش التركي؛ عن سبب هذه التضحية منهم ليواجهوا العسكر المدججين بالأسلحة، وهم المدنيون العزل، الذين لا يملكون سوى حناجرهم وإيمانهم بالتأكيد. رأيناهم وقد وقفوا وهتفوا ملء أصواتهم أمام المدرعات والدبابات، بل وتجرأ البعض منهم في اقتحامها وإنزال الجند منها.بالتأكيد إنه التوق للحرية الذي قال به أرسطو، وقد تذوقوه خلال سنواتهم الفارطات. جيل ليس بجيل الثمانينيات الذي شهد انقلاب ذات العسكر بقيادة الجنرال كنعان إيفرين على الرئيس التركي وقتها سليمان ديمريل، ونجح الانقلاب، وأدخل قادة الأحزاب السياسية السجن، كان منهم نجم الدين أربكان وبولنت أجاويد وغيرهما من قادة العمل السياسي وقتذاك، وبطش العسكر بالجميع، وهو ما وعاه قادة الأحزاب التركية الحالية، الذين وقفوا مساء الجمعة الماضية ضد الانقلاب الأخير، وأعلنوا تضامنهم مع الشرعية، إذ أن مصيرهم سيكون ذات مصير الرئيس، فالعسكر لا يفرقون.أسوأ حكم هو حكم العسكر، ونظرة فاحصة للدول العربية التي ابتليت بحكمهم؛ تشي بصحة هذه المقولة، فمن ليبيا القذافي إلى علي صالح اليمن، مرورا بسوريا الأسد، وانتهاء بالعراق، بل حتى التي سلمت من الفوضى، تراهم يقبعون في ذيل دول العالم كالسودان والجزائر رغم المقدرات التي يتوافرون عليها، لأن صاحب البسطار الغليظ يهمه الأمن وفقط الأمن، ولا يفكر بالتنمية ولا مجالات التقدم والحضارة والعلم.لنعد إلى الجنرال كنعان إيفرين، والدرس الذي وعاه الشعب التركي جيدا، ونقرأ لماذا وقف هذا الجيل ضد طغمة العسكر الانقلابيين، ففي 12 سبتمبر 1980 تلا الجيش بيانا على لسان الجنرال إيفرين قال فيه: "أيها المواطنون الأعزاء، لكل هذه الأسباب.. اضطرت القوات المسلحة لانتزاع السلطة بهدف حماية وحدة البلد وحقوق الشعب وحرياته، وضمان أمن الناس وحياتهم وممتلكاتهم وسعادتهم ورخائهم، ولضمان تطبيق القانون والنظام.". صاحب البزة العسكرية ذاك يقول إنه أتى لحماية الحرية وحقوق الشعب، لننظر لإنجازه وجوقته في الحكم، يسجل التاريخ أن حصيلة حكم الجنرال إيفرين بعد تسع سنوات قضاها في الحكم: اعتقال 650 ألف مواطن، محاكمة 230 ألف شخص، 517 حكما بالإعدام، 299 حالة وفاة بسبب التعذيب، انتحر 43 شخصا، وقتل 16 شخصا أثناء فرارهم، إقالة 3654 مدرسا، 47 قاضيا، 120 أكاديميا جامعيا، ورصدت الأجهزة الأمنية وقتها مليونا ونصف المليون مواطن تركي كمطلوبين أمنيا، وهرب 30 ألفا من المفكرين والمعارضين إلى خارج تركيا، وطلبوا اللجوء السياسي.لندع ذلك الجنرال الذي قدموه للمحاكمة قبل ثلاثة أعوام، ولأسجل بعض ملاحظاتي في ليلة الانقلاب على أردوغان، فقد كنت أتابع بحرص تداعيات ودقائق ما يحدث في تلكم الساعات الخمس العصيبة، عبر "الواتس آب" و"تويتر" وبعض القنوات العربية، وانتهيت كغالبية النخب إلى قناة "الجزيرة" التي كانت متعاطفة كثيرا مع الشرعية، وألفيت ذلك التفاعل الهائل من السعوديين بكافة توجهاتهم، حتى الذين لا يهتمون بالشأن السياسي، رأيتهم يكتبون ويعلقون، فشعبية حزب العدالة وأطروحاته الإسلامية، تلاقي صدى عريضا في الشارع السعودي، وطبعا شذّ بعض النخب وهللوا بالانقلاب بسبب مواقفهم الأيدولوجية من حزب العدالة التركي، وتساءل البعض عن سبب هذا الحماس الكبير من لدن السعوديين لما يجري في تركيا، فكان الجواب: إن تركيا اليوم حليف مهم وله وزنه الثقيل في الترس السني الذي يقوده سلمان الحزم، ولو جاء العسكر للحكم، لفقدنا مواقف تركيا في مجابهة الهيمنة الصفوية التي تحيط بنا، فضلا عن ساحة سوريا التي تتطابق موقفنا مع موقف أردوغان.أعجب من الليبراليين العرب عندما ينخلعون عن أول مبدأ في الليبرالية التي تقول بالحرية، ويصطفون إلى جوار الديكتاتور، لمجرد أنه يبطش بخصمهم الأيديولوجي، في اعتناق هشّ ومزيف لليبرالية زور ومدعاة.مما سجلته في تلك الليلة، الموقف الشجاع للمقدمة التركية التي أذاعت دعوة أردوغان للشعب التركي بالنزول للشارع، والتصدي للانقلاب، فالوقت الذي بثت فيه، كان الجميع يعتقد بنجاح الانقلابيين، والرئيس التركي لا يعرف أحد مصيره، ولو نجح الانقلابيون لكان رأسها أول من يطير بفعلتها تلك، ورغم أنها قناة خاصة للمعارضة، إلا أنها كانت من الشجاعة أن تذيع عبر جوالها مكالمة الرئيس التركي، لتكون الانعطافة الأولى من عندها، وانكسار الانقلاب عند تلك اللحظة.كان الكثيرون من المتعاطفين مع الشرعية في تركيا، يهللون لاستجابة الشعب التركي لنداء قيادته، وكنت أقول إن القائد الحقيقي الذي أحبه شعبه، يستجيب له وقت الأزمات، وقد سبقنا نحن الأتراك في ذلك.. الشعب السعودي استجاب لنداء قيادته إبان ثورة "حنين" في عزّ الربيع العربي، ما أذهل العالم كله وقتها، وأصاب أجهزة الاستخبارات الغربية والإعلام لديهم بالخيبة، وهي التي ظنت وروجت بأن هبّة شعبية ستقوم، لكن الشعب السعودي كان على مستوى الحب لولاته، والمسؤولية ليعرف كم هو أمن الوطن خط أحمر، يدافع عنه ولا يقبل بأي سوء لوطنه، ويحقق ما قاله الأمير نايف بن عبد العزيز يرحمه الله، الذي لطالما راهن على المواطن وأنه رجل الأمن الأول بالسعودية.ليلة الانقلاب في تركيا، كانت ليلة لا تنسى، والدرس الأهم هو أن الشعب المحب لحاكمه سيفديه بروحه وقت الأزمات.