12 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); بمجرد سماعي بوفاة الأمير محمد الفيصل آل سعود، استذكرت موقفا لي مع الشيخ صالح كامل في العام 2005، إذ كنت ألقبه بأبّي المصارف الاسلامية ورائد الاقتصاد الإسلامي، إبّان فوران تلك التجربة بالسعودية وازدهارها، وتسابق البنوك التقليدية بإنشاء فروع تطبق الرؤية الشرعية في تعاملاتها المصرفية، بل وتنشىء لجانا شرعية مكونة من علماء لفحص تلكم التعاملات.الشيخ صالح كامل ولا شك طوّر عبر مركزه للاقتصاد الإسلامي، كثيرا من التعاملات عبر جمعه لعلماء الشريعة والاقتصاد طوال سنين ممتدة، حتى خرجوا بفقه الصيرفة الإسلامية التي نعيشها، وإن كان للأمانة غير راض عنها اليوم، ولكن الشاهد في موضوعي أن الرجل صحّح لي، ونشرت رده في ملحق "الرسالة" بصحيفة "المدينة" في ذلك الزمن، حيث أجاب: "قولكم بأن صالح كامل هو رائد الاقتصاد الإسلامي؛ فهذا افتراء على الحقيقة, وللأمانة التاريخية فأول من بدأ فكرة البنوك الإسلامية هو الأمير محمد الفيصل, وكنت أنا صالح كامل في ركابه، وللتاريخ يجب أن تثبت هذه الحقائق... صحيح أنا واصلت المسيرة ببعض الجهود المتعلقة في ذلك المجال، ولكن يظل فضل الريادة للأمير محمد الفيصل".عاش الأمير محمد الفيصل بعيدا عن الأضواء، وهو الذي انطلق في هذا المجال احتسابا لله، وغيرة على دينه، وبرّا لدعوة والده الفيصل العظيم الذي رغب وقتذاك في إنشاء بديل للتعامل الربوي الذي يعمّ العالم، وعلّق على ذلك أحد أساطين فقه الاقتصاد الإسلامي اليوم معالي الشيخ عبدالله بن منيع، عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية: "من آثار دعوة الملك فيصل إلى التضامن الإسلامي؛ أن تبنى ابنه البار سمو الأمير محمد الفيصل اتجاهاً جاداً نحو الاستثمار الإسلامي".محمد الفيصل يرحمه الله كانت له فلسفة ورؤية حيال البنوك الإسلامية التي عرّفها بقوله: "البنك الإسلامي هو مؤسسة مالية مصرفية لتجميع الأموال، وتوظيفها في نطاق الشريعة الإسلامية بما يخدم مجتمع التكافل الإسلامي وتحقيق عدالة التوزيع، ووضع المال في المسار الإسلامي".والحقيقة أنه جاهد جهادا كبيرا، وقوبل بمعوقات حادة، واعتراضات بل وسخرية أيضا من الفكرة، وصفها في بعض حواراته: "إنه في الوقت الذي ظهرت فيه فكرة البنوك الإسلامية في نهاية الستينات وبداية السبعينات الميلادية؛ كان هنالك زخم كبير في الاتجاه العلماني التغريبي؛ فاجتمع سوء الغرض والعداء لكل ما هو إسلامي من الأعداء في الداخل والخارج مع الجهل بالإسلام من جانب المسلمين"، وجوبهت فكرته بالرفض التام، بيد أنه كان صاحب رسالة، وورث من أبيه العزيمة والإصرار وقوة الشكيمة، فلم يستسلم، واتجه بمشروعه للسودان ومصر، ونجح نجاحا منقطع النظير.حاول محمد الفيصل تطبيق الفكرة الحقيقية للبنوك الإسلامية التي وضعها هو وغيره من منظري تلك البدايات والتي كانت تتلخص في استبعاد التعامل بالربا، والتوجه نحو التنمية عن طريق الاستثمار، وربط التنمية الاقتصادية بالاجتماعية، وإحياء فريضة الزكاة ووظيفتها الاقتصادية والاجتماعية الصحيحة، وهو ما لم نره -بشكل كامل- في الصيرفة الإسلامية المطبقة اليوم.محمد الفيصل كانت له كلمة في المغرب في العام 2012 في ندوة عن تقويم فكرة البنوك الإسلامية وآفاقها، وقال عنها بأنه يظن " أنها في صالح البشرية"، ومن أجل "إعلاء كلمة الله في الأرض"، في حضور الرسالية لديه، لا الهدف الربحي الذي حاد بفكرة الصيرفة الإسلامية إلى التركيز على المرابحة فقط، التي وقعت على المتعاملين كالسيف، إذ استبدلوا الفائدة الربوية بأختها الأعظم مغلفة بفتوى من اللجان الشرعية بتلكم البنوك، مستغلة تدين المجتمع، كل ذلك كان على حساب رسالتها الحقيقية في تنمية المجتمعات الإسلامية، التي نحن بمسيس الحاجة لها اليوم في ظل هذه الظروف التي تعيشها منطقتنا بعد خفض أسعار البترول، داعيا سدنتها اليوم إلى تقوى الله وإعادة مسيرتها لما أراده منها الرواد الأوائل.ستظل كل المجتمعات الإسلامية التي رفع عنها محمد الفيصل حرج التعامل بالربا مدينة له، وسيصب أجر هذا العمل –إن شاء الله- في ميزانه ليوم القيامة، ويا له من أجر!!