14 سبتمبر 2025
تسجيلكنت قد تناولت فى المقال السابق تحت نفس العنوان ما تبثه شاشات التليفزيونات العربية من برامج ومواد درامية عديمة الفائدة بالنسبة للمشاهد .. ولو توقف الأمر عند هذا الحد لكان هناك من يقبل ذلك على أن الجلوس أمام الشاشة يعطى الفرصة للمشاهد لقضاء وقت ممتع ولكن المشكلة أن الأمر يعود على المشاهد بالسلب .. كيف ؟ هذه المسلسلات تعج بالحوارات الهابطة والكلمات البذيئة .. بالإضافة إلى المَشَاهد المبتذلة والسخافات الغير مقبولة .. والأدهى من ذلك مشاهد العنف التى لا مبرر لها والتى يشعر المتفرج أن هذه المشاهد مقحمة على العمل الدرامى .. بمعنى أنه لو تم حذفها لما نقص شئ من العمل .. والأكثر من ذلك أنه لا يوجد مسلسل يخلو من تدخين الممثلين والممثلات للسجائر والسيجار الذى بات من علامات الوجاهة لدى الأغنياء والموسرين ورجال الأعمال .. أما إحتساء الخمر فحدث عنه ولا حرج فتجد معظم أبطال الأعمال الفنية يتعاطون الخمر بإستمرار فى الأماكن العامة وحتى فى المنازل والمكاتب لدرجة تجعل من لا يعرف بلادنا أن الخمر شئ عادى جدا لدينا . ولقد بح صوت رجال التعليم وعلماء النفس فى أن الأطفال يتأثرون بما يشاهدونه على الشاشة وأن هؤلاء الفنانين يشكلون عاملا مؤثرا فى الأطفال والصبية الذين يقومون بتقليدهم سواء فى العنف أو التدخين .. ونحن بدورنا نحذر من أن ذلك الأمر فيه خطر على مستقبل أجيال قادمة بأكملها . أما المصيبة الكبرى فهى تلك الإعلانات التى تحاصر المشاهد قبل وبعد وأثناء بث البرامج أو المواد الدرامية والتى تطول لدرجة أن ينسى المشاهد ما كان يشاهده قبل عودة البث .. ومن الطريف أن يتندر الناس على ذلك بأن مقدمة البرامج أو المذيعة تطل على المشاهدين لتزف لهم خبر بث فترة إعلانية يتخللها بعض مشاهد مسلسل أو برنامج ما .. مع أنه من المتعارف عليه عالميا أن الزمن المخصص للإعلانات يجب ألا يتجاوز 15% من نسبة ما يتم بثه على شاشات التلفاز .. وذلك على أقصى تقدير . ومن المحزن حقا أن يبيع بعض ممن يعتبرهم الناس نجوما أنفسهم مقابل مبلغ من المال للظهور فى إعلانات تقلل من قيمتهم المعنوية لدى المشاهدين . وهناك بعض المُعلنين يصرون على بث إعلاناتهم خلال مسلسل من بطولة نجوم بعينهم .. وهؤلاء النجوم لا لوم عليهم .. ولكن المشكلة تكمن فى المعلنين أنفسهم كما يتحمل القائمون على القنوات مسئولية هذا العبث لأنهم يلهثون وراء جنى الأموال .. ويعتبرون تلك الإعلانات هى الوعاء الذى يجمعون فيه الأموال .. ولا شئ غير ذلك . وهذا التكرار والإلحاح فى الإعلانات وإبتكار مسميات لا تمت للأمر بصلة مثل أن ذلك البرنامج " برعاية " معلن بعينه من شأنه الإضرار بالمشاهد بتشتيت ذهنه وتبلده وعدم قدرته على التركيز كما تتلاشى الحاسة النقدية لديه مما يجعله يتنقل بين المحطات فى محاولة لصنع " مونتاجه " الخاص به . وبطبيعة الحال فإننا لن نلتفت إلى ما يدعيه المعلنون من أنهم يبثون تلك الإعلانات من أموالهم .. وهو قول باطل يراد به التضليل لأننا لا يمكن أن نصدق أنهم – أى المعلنون – لا يضيفون تكلفة هذه الإعلانات على السلع التى ينتجونها أو البضائع التى يبيعونها . مرة أخرى – وليست أخيرة – أطالب الدول بالتدخل لحماية الناس وخاصة النشء من هذا العبث وأن يكون ذلك بعدم بث أى مشاهد عنف فى الأوقات التى يحتمل وجود الأطفال فيها أمام الشاشة وهو أمر معمول به فى معظم الدول المتقدمة حيث تقوم أجهزة الإعلام بإستطلاعات الرأى والدراسات فى هذا الصدد وتقوم بالإعلان عن نتيجة ذلك فى وسائل الإعلام المختلفة .. كما يجب إلزام الفضائيات بالتنويه المتكرر عن مشاهد العنف . وإلى موضوع جديد ومقال قادم بحول الله . بقلم :د . مصطفى عابدين شمس الدين [email protected]