20 سبتمبر 2025
تسجيلتكون الدهشة فاعلة وإيجابية حين يعقبها سؤال حيث إنها في الأساس تمظهر لجهل وتعبير عن عدم معرفة. التطور الإنساني عموماً جاء لإزالة الدهشة عن حياة الإنسان.. الأديان ذاتها أزالت دهشة الإنسان، وكشفت له عن أجوبة لأسئلة الوجود. الدولة المدنية والتطور السياسي قلَّص من أسئلة الدهشة عند الشعوب بتحويلها إلى أسئلة تجد لها إجابات عند مؤسساتها وأفرادها. عندما يشعر المجتمع بأن الدهشة سمة يومية فثمة خطأ في حياته وثمة توعك في مسيرته وخطاه. البرلمانات وجدت للإجابة على أسئلة الدهشة لدى المجتمعات، الانتخابات، وجدت لإظهار وإبراز من يستطيع الإجابة على أسئلة الدهشة المتكررة. المعضلة كما أراها ليس في الدهشة الإيجابية ذاتها أي تلك القادرة على طرح الأسئلة للتخلص من دهشتها ذاتيا، المعضلة في الدهشة السلبية التي لا تقوى على طرح الأسئلة لسبب ما. عندما يعجز المجتمع عن معالجة دهشته لا يتطور بل يتكور ويستلب. المجتمع المندهش مجتمع معوق لا يستطيع فرض رؤيته ولا تحقيق مطالبه. المجتمع المندهش دائما يمسى على شكل ويصبح على شكل آخر. المجتمع المندهش عبارة عن بصامة rubber stamp يبصم حتى على شهادة وفاته دون أن يدري. المجتمع المندهش دائما كحاطب ليل لا يعرف مكانه وماذا يلامسه؛ أحطب كان أم أفاعي. المجتمع المندهش كمن يحمل داءه في ردائه. المجتمع المندهش مريض نفسياً لأن عدوى الدهشة السلبية تجعله شاكاً حتى في نفسه. المجتمع المندهش يقول نعم في النهار ويعقبها بـ لا خفيفة في الليل بين الجدران، أفراده لا يمكن أن يتغلبوا على فرديتهم لصالح مجموعهم؛ نزواتهم أولوية وشعارهم الفردية، تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى. لا يعرف التاريخ شعباً كالشعب العربي عانى ولازال يعاني من الدهشة. تمر العقود عقداً وراء آخر، ودهشتهم تزداد مع سرمدية القائد الملهم، وأيامهم تفنى مع الوعود البراقة بالديمقراطية والانتخابات النزيهة. الآباء يرحلون على أمل لا يستطيع الأبناء تحقيقه فتصبح الدهشة مركبة لدى الأحفاد بعد ذلك. حتى المؤتمرات لم تفكك من خيوط دهشتهم المستمرة، أين أسئلة الهزيمة، أين ملفات المسؤولية ومن يتحملها؟ عجزت الشعوب عن طرح أسئلة الدهشة التي انتابتها، فاستمر الاندهاش واستمرأت الشعوب حتى صار ديدنها فاستحقت بحق شعار مجتمعات الدهشة بجدارة. الدهشة في ذاتها بداية الفلسفة والإنجاز فهي التي تحرِّض على السؤال، المقدمة الأولى للخروج من النمطية التاريخية وتفكيك سيطرة الماضي المنقضي على الحاضر الجديد. الدهشة في مجتمعاتنا عبارة عن مشروع للإجابة فقط؛ وهذا سر عجزها، حتى الاختيارات المتعددة في الإجابة كما في الامتحانات المدرسية لا تجدي ولا تمثل مخرجاً أو حلاً لانعكاس وضعية السائل والمجيب وهذه مفارقة تاريخية تجعل من الشعوب مصدراً للإجابة في حين أنها من المفترض تكون هي من يطرح السؤال. [email protected]