16 سبتمبر 2025
تسجيلإن قطار الزمن يجري بسرعة غريبة، إنه لا يتوقف في محطة أبداً، انه دائب الحركة ليلاً ونهاراً فلا الليل سابق النهار ولا النهار سابق الليل.الإحساس بالزمن غريب لأن الناس يوم يلقون ربهم سيشعرون بأن الأعمار كلها قد أصبحت ماضياً ؛انكمشت وتداخلت أجزاؤها بعضها في البعض الآخر حتى أصبحت كتلة واحدة لا يعرف منها شيئا إلا أنها أصبحت ماضياً ذهب خلف ظهره ولن يعود. لذلك أخبر المولى عز في علاه عن حال الناس حين يرجعون إليه.(قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم فاسأل العادين) وقال( إن لبثتم إلا قليلاً لو أنكم كنتم تعلمون).إنهم اليوم تحققوا أنهم كانوا في الأرض وأنهم يحسون لقصر مكثهم فيها وضآلة تلك المدة ويأسهم وضيق صدورهم لا يشغلهم عدد الأيام وعدتها لذلك جاء (فاسأل العادين) فهم لم يتذكروا طول المدة التي مكثوها في الأرض فقالوا: اسأل الذين يتذكرون حساب المكث الذين يعرفون ذلك أما نحن فنسيناه لذلك قال من لديه القدرة على رواج الأعذار كما يظن- فهو الأمثل في اختلاق المعاذير إذ قال كما أخبر عنه القرآن (إن لبثتم إلا يوماً...) هكذا تنزوي تلك الأعمار التي يعيشها الإنسان على هذه الأرض وتنطوي ، وتذهب تلك اللذات الحافلة بالمتاع، فما قيمة ليلة أو ليال محدودة وأيام معدودة يقضيها المرء في غير طاعة الله أو في معاصية؟لقد ذهبت تلك السنون وأهلها – فكأنها وكأنهم أحلام ، كنا قبل شهر رمضان نتهيأ لاستقبال هذا الشهر المبارك ثم بعد ذلك نتهيأ لاستقبال شهر آخر، وهكذا تمضي الأعمار، نستقبل شهراً ونودع آخر حتى نلقى ربنا. إن الزمن هو رأس مال الإنسان، وهو هبة الله – عز في علاه- لنا وهذا الزمن إما راحل عنا بخير وذكر حسن وإما راحل عنا بتفريط وتضييع حتى إن لسان حاله يقوله : ضيعك الله كما ضيعتني.إن الإسلام يريد تزكية الإنسان وتطهيره لا تعذيبه، ورفع مستواه عن مستوى الحيوانات المجترة ليطهره تطهيراً فالصوم حبس النفس عن مألوفاتها من الشهوات وفطامها عن المألوفات، وتعديل قوتها الشهوانية، ويذكرها بحال الأكباد الجائعة في دنيا العالم، وتضييق مجاري الشيطان كما أنه رياضة الأبرار المقربين، وهو لرب العالمين (الصوم لي...) من بين سائر العبادات.إنه شهر تدريب الغرائز وتكوين الإرادات لا شهر الموائد والسهرات.فالأمة التي تغلب الشراهة أفرادها في هذين الأمرين البطون والفروج قد تنكب نكبة قاصمة إذا هي لم تحسن تحديد موقفها من كلا الأمرين فالويل لأمة يطلق أفرادها العنان لغرائزهم فما تقف عند حد (كلوا وتمتعوا قليلاً إنكم مجرمون) وطبيعة البشر أنهم إذا أحرزوا نصيباً من الشهوة استهانوا بما أحرزوه وطلبوا المزيد، والصيام عبادة وركن من أركان الإسلام قوامها: إن يمتلك الإنسان نفسه وأن تكون لديه العزيمة التي يترك بها ما يشتهي فهو تحرير الإرادة الإنسانية وجعلها خاضعة لأوامر الله- الخالق الرازق- لا لرغائب النفوس وبهذه الإرادة يكون الفرق بين الإنسان العاقل، والحيوان الأعجم الجاهل كما أن الصيام فارق بين من يملك زمام نفسه ومن أتبعها هواها هو فارق بين الناجحين من البشر والفاشلين المسحوقين من قبل الشيطان وحزبه من نفس وهوى. فمن طلب خطيراً خاطر ومن رام العسل تصبر على لسع النحل فمن رام الجنان ومجاورة عباد الرحمن عليه أن يروض هذه النفس ويشارك سواد الأمة فريضتها وأن لا يكون فتنة للذين كفروا إذ يقولون لو كان هذا الدين حقاً لما زهد فيه معتنقوه.إن المسلمين لا يعرفون قدر هذا الشهر الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس ولا يعرفون قيمة هذا القرآن الذي أنزل فيه فاحرص أخي المسلم أختي المسلمة على هذه الأيام المباركة قبل أن يغادر الشهر أو أنت فلا تلتقيان إلى يوم الدين.وأخر دعوانا إن الحمد لله رب العالمين