14 سبتمبر 2025
تسجيلنَبِيُّنَا — صلوات الله وسلامه عليه — كما قال عيسى عليه السلام "وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ" أي أكثر الخلق حمدًا لكثرة حمده لله تعالى، فهو "حامد" لخالقه وهو مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — أي محمود — من الخلق لأخلاقه، وهُوَ صَاحِبُ لِوَاءِ الْحَمْدِ يوم القيامة وَأُمَّتُهُ هُمْ الْحَمَّادُونَ الَّذِينَ يَحْمَدُونَ اللَّهَ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ. وفي الجَنّة بيتٌ يُقال له بيتُ الحمد، خُصَّ للذين يحمدون الله في السرّاء والضراء ويصبرون على مُرِّ القضاء، روى الترمذي بإسناد حسن عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ولَدُ العبد قال الله — تعالى — لملائكته: قبضتُم ولدَ عبدي؟ فيقولون: نعم. فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدَك واسترجع. فيقول الله — تعالى —: ابنوا لعبدي بيتاً في الجَنّة وسمُّوه بيتَ الحمد". فهذا حَمِدَ الله على الضرّاء فنال بحمده هذه الرتبة العلية، هذا وثَمَّة موجبات ودواع لِحمد الله تعالى على الضراء والشدائد والمصائب وسائر ابتلاءات الدنيا وهاك بعضًا منها:أحدها: عِلْم العبد بأنّ الله — سبحانه — مستوجبٌ لذلك الحمد، مستحقٌّ له بنفسه، لا يشاركه فيه غيره، وفي هذا أعظم دلالة على إخلاص التوحيد له — عز وجل —. وهذا الاستحقاق ثَابِتٌ لِلَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ مَجِيءِ الخلق وحمدهم أو بعد فراغهم من الحمد وفنائهم حمدًا يملأ الزمان والمكان والأعيان ويعم الأقوال كلها. فَهُوَ تَعَالَى مَحْمُودٌ مِنَ الْأَزَلِ إِلَى الْأَبَدِ بِحَمْدِهِ الْقَدِيمِ وَكَلَامِهِ الْقَدِيمِ، وكيف لا يحمد على خلقه كله وهو الذي أحسنَ كلَّ شيء خلقه، وعلى صنعه وقد أتقنه: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} وعلى أمره وكله حكمة ورحمة وعدل ومصلحة، وعلى نهيه وكلُّ ما نهى عنه شر وفساد، وعلى ثوابه وكله رحمة وإحسان، وعلى عقابه وكله عدل وحق فلله الحمد كله وهو العليم الحكيم، الخبير الرحيم.الثاني: علمه بأن الله تعالى يُحب الحمد عن الأسود بن سريع: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس شيءٌ أحبَّ إليه الحمد، من الله تعالى، ولذلك أثنى على نَفسه فقال: "الحمد لله".الثالث: علمه أنَّ عليه أن يعتقد أن الله تعالى قدَّر الخير والشر، قبل خلق الخلق وأن جميع الكائنات بقضائه وقدره وهو مريد لها كلها، قال تعالى "مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ* لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ" وفى الصحيحين عن أَبى هُرَيْرَةَ — رضي الله عنه —: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ مُوسَى: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُونَا خَيَّبْتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الْجَنَّةِ، فَقَالَ لَهُ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى، اصْطَفَاكَ اللهُ بِكَلَامِهِ، وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ، أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؟ " فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى» صحيح مسلم كتاب الْقَدَرِ بَابُ حِجَاجِ آدَمَ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وقال تعالى: "وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ"الرابع: علمه أن عَليه أَن يَعْبُدَ خالِقَه ويحمده على حَالَة السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ. ومَنْ عَبَدَ الله وحمده على السَّرَّاءِ وحْدَهَا دون أَن يَعْبُدَه ويحمده عَلَى الضَّراءِ يَبْتَلِيه الله بِهَا فَقَدْ عَبَدَهُ على حَرْفٍ، وذلك موضع ذم قال تعالى:" وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ" وَمن عَبَدَهُ وحمده كَيْفَما تصرَّفَتْ بِهِ الحالُ فقد عَبَدَهُ عِبادةَ عَبْدٍ مُقِرَ بأَنَّ لَهُ خَالِقاً يُصَرفه كيفَ يشاءُ، وَأَنه إِن امْتَحَنَه باللأواء وأنعم عَلَيْهِ بالسَّراء فَهُوَ فِي ذَلِك عادلٌ أَو متفضلٌ غير ظالمٍ وَلَا متعد، لَهُ الخيَرَةُ وَبِيَدِهِ الأمرُ وَلَا خِيَرَةَ للعَبْدِ عَلَيْهِ.والخامس: علمُه بأنّ اختيارَ الله لعبدِه المؤمن مُقدَّم على اختياره لنفسه،. قال تعالى:"وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ*وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ*وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" وقال تعالى "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا".هذا وللحديث صلة بحول الله وقوته.