15 سبتمبر 2025

تسجيل

النقد البناء وسيلة حضارية للرقي

18 يونيو 2012

لاشك أنّ مفهوم النقد ومفهوم الإدانة يختلفان عن بعضهما البعض، إذ إنّ لكلِّ مفهوم آلياته وأدواته التي يتكئ عليها، ففي حين تتطلّب الإدانة الإثبات والبيِّنة، يتطلّب النقد الإيضاح والرؤية الموضوعية تجاه هذا الشأن أو ذاك، واتهام الأشخاص حتماً يوجب إبراز الأدلة على ذلك من واقع الأمانة والمسؤولية الأدبية، بيْد أنك حينما تنتقد شخصاً ما فإنّك ستبرز ما يشير إلى أوجه القصور وفق سياقات موضوعية، ومع الاثنين يبيت حسن الظن وسوؤه مؤشراً لسلامة النية أو عكس ذلك، فيما يكون القصد من عدمه محور ارتكاز البت في المسائل التي يتم في ضوئها إصدار الحكم، غير أنّ النقد الموضوعي المتزن يراعي جميع الجوانب المحيطة، في حين أن القفز على النقد في سياق الانفعال والتشنُّج حتماً سيصادر الهدف، لأنّ التحليق على هذا النحو لا يفتأ أن يجهز على صيغة الحوار وبالتالي فإنّها ليست حواراً بقدر ما تمثل محاكمة لفظية نسج منها التعجُّل أنماطاً استعدائية لا تعدو أن تكون استفزازاً في ظل غياب الأدلة والبراهين، إن هيمنة التأثير على الذهنية بهذه الصيغة يسهم في عزل التفكير وتحجيم استقلال الإدراك حينما يدور في فلك إقصاء الرأي ومصادرته دون النظر إلى المعطيات بشكل موضوعي وبالتالي الحكم المتعجل على أفكار الآخرين وقناعاتهم، إن معوقات نجاح الحوار في الغالب ترتكز على محورين رئيسيين، الانفتاح وضروراته والانغلاق وضروراته وإذا كان النقد هدفه التصحيح والإصلاح والإشارة إلى مكامن القصور وفق سياقات منطقية ووضع الأمور في نصابها، فإنّ السبيل إلى ذلك يتطلّب التحلِّي بروح الحوار وأدبياته، ويستسهل البعض إطلاق الكلام على عواهنه، ولا يسهم في تفكُّك الأمّة، وتنافر أفرادها غير ترسيخ التصنيفات المؤذية والموجعة في ذات الوقت ولا يعلم ما في السرائر إلا علاّم الغيوب، ففي الوقت الذي يسعى فيه الآخرون إلى تنمية وتطوير قدراتهم ومهاراتهم ننشغل في التنافر ويزيد من حدّته من يضرب تحت الحزام وفوقه هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإنّ المبالغة في الحذر والتوجُّس خيفة على نحو يكرِّس نهم الاختراق والهيمنة سيكون ممراً سهلاً تصعب السيطرة عليه والتحكُّم في أبعاده لاسيَّما أنّ وسائل الاتصال باتت معبراً يُعول عليه في تمرير المخططات والأهداف، أي أنّ أهداف التسلل ستمسي من الكثرة بحيث يصعب رصدها وتبعاتها المدمرة (ويؤتى الحذر من مأمنه)، وللارتقاء بالمستويات الفكرية على نهج يعزز الصلابة من جهة والثبات على المبدأ من جهة أخرى فإنّ أول خطوة إيجابية في هذا السياق هو نبذ التنافر والارتقاء في التعامل من منطلق الإحساس الصادق وتغليب حسن الظن، فطرف يمعن التركيز على ما نريد من خلال بناء تصوُّرات صادقة وخلاّقة في النهوض لمواكبة التطوُّر في ظل التمسك بالمبادئ ويبدي نوعاً من المرونة حيال التعاطي مع المسائل المختلفة، وطرف آخر يبدي تحفظه أو بالأحرى تخوفه يدفعه الحرص من أن تتآكل مقومات البنية الثقافية أو بالأحرى تنصهر ما ينال من الاعتبار ويضعف الهوية كما يتصور، من هذا المنطلق فإنّ الإدراك الكامل ووضع النقاط على الحروف أمسى مطلباً مُلحاً، ومن ذلك تفهم الأطراف لهذه المعادلة، والتي لن يستعصي على العقول النيّرة وفك رموزها، فديننا دين الوسط والاعتدال، قال نبي الهدى عليه أفضل الصلاة والسلام (لا ضرر ولا ضرار) فإذا كان ما سيأتي ويؤخذ به يحتوي على مضرة فتركه أولى وفي مقابل ذلك عدم ترك المصالح التي تعيننا وفقاً لخوف مبالغ فيه أو توجُّس مضطرب يفوِّت علينا الفرص في اللحاق بالرّكب، إن الأخذ بالعلوم النافعة وتسليح شباب الأمّة بالحصانة الفكرية بكلِّ ما تحتويه من دلالات، بدءاً بالتوكُّل على المولى سبحانه من الضرورة بمكان، إن تفعيل دور القيم المؤثرة يتطلّب جهداً وإخلاصاً لبناء أرضية صلبة للأجيال القادمة من خلال دعم الثقة بالنفس وتفعيل الرقابة الذاتية، أو بمعنى أدق محاسبة النفس، فطالما كان البناء على هذا المنوال، فإنّ التصدُّع لن يجد مجالاً ومن ثم فإنّ التماسك سيكون العلامة البارزة في حين أن التضييق سيفرز ارتخاءً في القيم كنتيجة عكسية ما يمنح التمرُّد صبغة الاستقلال وبالتالي مصادرة الهدف المأمول، وإذا أراد الإنسان المحافظة على شيء ما فإنه يحيطه بعنايته ويتلمّس الأساليب الواقية، فليكن التسامح واجهة لكلِّ الأطراف لبلوغ ما نصبو إليه لنا وللأجيال القادمة وفق صدق النوايا والتوجُّهات الحميدة ونترجم هذا بالإخلاص يداً واحدة تبني وتحاور وتؤثر، ولما كان الشيء بالشيء يذكر فإن الاحتكاك بالثقافات الأخرى لا يوجب التحسس من هذا الأمر، فصاحب المبادئ القوية، يفرض قوته بصحة وسلامة توجهه وثباته على منهجه. لقد عَبَر دين الإسلام إندونيسيا وماليزيا ودولا أخرى بقوة الحجة وصحة الأدلة ونصاعة البراهين. إن من يتخلق بآداب دينه يستشرف المعالي ونيل الثواب في تعامله الصادق المؤثر؛ لأن السلوك المستقيم السوي يعد واجهة مشرقة، فتفتخر الأوطان بدماثة أخلاق أبنائها وهم ينهلون العلوم والمعارف، في إطار الاحترام الذي بات يسكب عبيره الأخاذ وعطره الزاهي، فها هم أبناء الوطن يسهمون في البناء، وقبل هذا وذاك فإنهم يعبرون بأفكارهم النيرة، محافل العز بإرادة الموقن بربه الواثق من نفسه، والمعلم لغيره كيف كان الإسلام عظيما وسيظل عظيماً بمآثره الجميلة القيمة، وبأخلاق أبنائه وسلوكهم النبيل.