29 أكتوبر 2025

تسجيل

النفط على مسرح الانتخابات

18 مايو 2022

صناديق بلاستيكية محطَّمة وأكياس ممزقة ودخول مندوبي الأحزاب خلف الستار العازل وقطع للكهرباء أثناء فرز الأصوات ودخول أكثر من مقترع في الخانة المُخصصة، وتهديد المرشحين المستقلين.. خروقات كثيرة وعديدة سجلها الإعلاميون والمُراقبون من المجتمع المدني خلال الانتخابات النيابية اللبنانية، وبطء عملية الفرز يُضاف إلى سجل المنظومة اللبنانية المُشرفة على "المسرحية الانتخابية" الشكلية التي يتوجب عليهم إجراؤها وسط ضغط دولي غير مباشر. المُحصلة أن حزب الله وإن حصل على عدد المقاعد التي يرغب بها- فهو بالتأكيد لا يُريد الأغلبية، لأنه يرغب بإعادة التموضع، والتخلص من تهمة "خطف البلاد شرعيًا"؛ في المقابل الحريرية قاطعت الانتخابات؛ والجنبلاطية مرنة كفاية للتغيير بحسب اتجاه الريح؛ التيار العوني يتراجع أمام الدعم الخليجي لجعجع والذي صوّت له "نكاية" المناهضون للثنائي الشيعي. وما يُعرف بأتباع "أمل" فمواقعهم محفوظة ليس بالتفاوض وإنما بالنفوذ والإكراه و"السلبطة"؛ فيما عدا ذلك من أحزاب وتيارات هي مجرّد تابعة تدور في فلك هذا وذاك. تمكّنت قوى المجتمع المدني من خرق الطبقة المُسوسة بوجوه نالت ثقة العديد من المقترعين في مناطق كان يُظنّ أن المعركة فيها محسومة لها. أما نسبة المشاركة الضئيلة والتي لم تتجاوز الـ 45 % على مستوى لبنان كفيلة بأن تُعطي رسالة للدول المؤثرة بأن غالبية الشعب ليس مناصرًا لهذه الطبقة كما يدّعي هؤلاء، وكما يُخيّل لهذه الدول الإقليمية والغربية، والتي تُفضّل بقاء الطبقة البالية في الحكم على المدى القريب، من أجل اكتمال الاتفاقيات النفطية، وترسيم الحدود، حيث إن وجود طبقة سياسية شابة مستقلة وقوية ليس من مصلحة هذه الدول، وما التغطيات الإعلامية النمطية من قبل القنوات الفضائية العربية التي تدّعي الوقوف إلى جانب ثورات الشعوب إلا دليلًا على التراخي وذلك بحجة عدم التدخل في الشؤون اللبنانية لكي لا تتحول المعركة إلى تصارع على المصالح الإقليمية، ولِما التصارع والكلّ متفق على إبقاء لبنان كما هو عليه، وتجديد الشرعية، من أجل إتمام الصفقات. وما المساعدات التي تُمنح للبنان بـ"القطّارة" من غذاء ومعدّات عسكرية بدائية إلا لإبقاء هذه الطبقة على قيد الحياة.. ولكنّ من يُراهن أنه يعرف اللبنانيين خير معرفة فيبدو أنه خاسر لأننا شعب بقدر ما يُحبّ الحياة بقدر ما نحن مستعدّون للتضحية بها من أجل كلمة حقّ وإن انتزعت منّا الحياة بكلّ ملذاتها. فلذّة الحياة تكمن في حرية التعبير عن الرأي والأفكار مهما كانت التبعات. والفرق لدينا بين الموتى والأحياء هو قدرتنا على التأثير في مجريات الحياة. من ملذات الحياة أيضًا مراقبة التغلغل الغربي في مجتمعاتنا بطريقة تُجهز الأجيال القادمة ليكونوا معقدين نفسيًا وليكونوا مستعدين لقتل بعضهم البعض، بسبب كلمة هنا، وتعليق هناك، وزعزعة الثقة بالنفس بحجّة "التنمر" وهذا ما يحصل في مدارسهم وجامعاتهم ومجتمعاتهم. التنمر آفة اجتماعية وتربوية ولا بُدّ من التصدي لها في مدارسنا، ولكن تربيتنا وفق أخلاقنا الإسلامية تقوم على "حُسن الظن" ما يعني أننا إذا وصفنا السمين بأنه "سمين" والطويل بأنه "طويل" والنحيل بأنه نحيل، هذا لا نعتبره تنمّرا بل كان يدرّس لنا على أنه جزء مهم من السرد الوصفي. تعلّمنا وصف الوقائع بحسن نية، وتشخيص الخطأ والصواب، وكيفية التعامل مع الآفات وتقبّل الحقائق كما هي، دون جرح أو أذى، ونشر ثقافة المسامحة، لا أن نحسب كلّ خطوة وكلّ كلمة وكلّ وصف على أنه تنمّر، ما سيحول أطفالنا لشخصيات ضعيفة ومهزوزة لا تعرف الخطأ من الصواب والواقع من الخيال والحقيقة من العبث. لا تستوردوا التنمر المعلّب وتجعلوه جزءًا من ثقافتنا. بل انشروا ثقافتنا بحسن الخلق وتقبل النقد حسن الظنّ في بلادهم! على مستوى الإعلام العربي، شيرين أبو عاقلة أكدّت للعالم أن المرأة العربية عصية عن التدجين، حيث هناك ما هو أعمق في عقولنا من حقيبة فاخرة، ورقصة فاجرة، وطبخة فارهة، وولادة متعسرة، وزواج، وطلاق. لقد أحيت شيرين في نفوسنا مجددًا الثقة بأنه "لا يصحّ إلا الصحيح" وأن الرجال تبكي أيضًا رفيقات النضال والحرية وأصحاب القضية. أما "الانفلونسرز الجُدد" فأغلبهم سلع متنقلة أجورهم عالية ولكن لا قيمة لهم في ميزان الإنسانية. في ثقافتنا ومجتمعاتنا الكثير من الوقائع الجميلة والمُلهمة والعديد من المبادرات التي تؤكد أننا شعوب تستحق أن نُحيي ما اكتنزته الحضارة الإسلامية وما أنتجته آنذاك، وما نحن قادرون على إنتاجه من أفكار وأخلاق عالمية مشتركة. ومهما ارتفع سقف التحديات، لن يتزعزع إيماننا بهويتنا وعقولنا وأوطاننا.