26 ديسمبر 2025
تسجيلفي اعتقادي أن مفصل الدين الإسلامي الذي ترتكز عليه حيويته وتجدده الدائم وصعوبة عزله عن تيار الحياة يقوم على ثنائية "الدنيا والآخرة"، وارتباط تلك الثنائية ببعضها البعض، بمعنى أن الأمر لا يتعدى كونه مرحلة انتقال من جانب الى الجانب الآخر لا أكثر، فهو دين أخروي بنفس قوته كدين للحياة الأولى، فالمقابلة بين الدنيا والآخرة تظهر بلا شك طبيعية المنهج الإسلامي لحقيقة الكون والحياة، فما بين بقاء وفناء وزوال وخلود يبدو الأمر انتقالاً لا أكثر، وارتباطاً غير منفصم، وان بدا غير ذلك بمجرد موت الإنسان. يشير الإسلام الى أهمية الدنيا وضرورة ألا ينسى المرء نصيبه منها، على الرغم من التوجه الى تتويج ذلك بالفوز في الآخرة، نسيان المرء لنصيبه في الدنيا خطأ كبير وانعتاقه عن العمل لآخرته ظلم عظيم. ان طبيعة الدنيا الآنية وسرعة مرورها وانقضائها مقارنة لما للآخرة من سرمدية وبقاء يجعل من النفور منها "الدنيا" واعتزالها أهون الأمرين. وهنا مكمن الخطر وسوء الفهم، الإشكالية تبدأ انطلاقاً من تنوع فهم وكيفية الفوز بالرضوان في الحياة الأخروية، من هنا تبدو كذلك أشكال الفهم الإسلامي المختلفة لهذه الثنائية المترابطة والفريدة في قوتها وتأثيرها والتي لا مثيل لها بين الأديان الأخرى. افتقاد العدالة في التشريعات الدنيوية وشيوع الظلم على مدى واسع يضيفان الى تلك الثنائية أبعادا أخرى تقلب وسطيتها، وتقلل من أهمية الحياة الدنيوية التي هي بالكاد وفي أفضل حالاتها تساوي الشيء القليل (جناح بعوضة) كما الفهم الشائع، ومن هنا كذلك تبدأ قابلية وشعبية الفهم الراديكالي لوسيلة الفوز بالرضوان في الحياة الأخروية عن طريق بتر تلك الثنائية. وتزداد شعبيته ويتحول بالتالي إلى سلاح "ذري" من هنا كذلك يبدو للبعض أن الأمر لا يستدعي أكثر من الاختيار بين السرمدية والفناء المحتوم، فافتقاد العدالة وانتشار الظلم يجعل من الشهيد النموذج المفضل لمقاومته ومبادرته للظلم واستباحة المحرمات، علينا أن نوسع من مفهوم الشهيد إذا ما أردنا استخدامه بمثل هذه الكثافة غير المبررة، ليحتمل من يجعل من الحياة وسيلة للتعايش الممكن مع الآخر والمختلف، فالجهد يجب ألا ينصب على المستوى الثقافي فقط، وإنما على المستوى المادي أيضاً من العمل على تقليل الفروقات واختفاء الظلم وتقليل مصادر التوتر، أما إذا كان الصراع سيدور وهو دائر بين أشكال وأنواع الفهم لمحتوى التشريع الإسلامي بين المسلمين أنفسهم فالمستقبل ليس سيئاً فقط بالنسبة للغير، وإنما بالنسبة لنا أيضاً كمسلمين، ومن هنا تبدو الأمور متشابكة الى درجة تسيء الى الإسلام نفسه وهو ما نشهده عياناً يوماً بعد آخر. [email protected]