18 سبتمبر 2025

تسجيل

رمضانيات (9)

18 أبريل 2022

يأمل بعض مفكري الغرب أن تستطيع الرأسمالية مع موجاتها المتعاقبة وفي صورة متقدمة من صورها الاستهلاكية أن تحتوي الدين بصورة أو بأخرى، لكي يمكن تقديمه حسب الطلب وحسب المواصفات التي يريدها المستهلك حين يتجول في السوبر ماركت ليختار ما يريد من بضاعة حسب ذوقه وشروطه وقدرته المادية. لك أن تتصور يا سيدي أنّ بإمكانك أن تختار من الدين ما يناسب ميولك ونظرتك للحياة طالما أن الدين اختياري والعقيدة ليست إجبارية، فأنت بالتالي أمام تنوع مدهش. هذه النظرة الاختزالية التي تستبعد الجانب الروحي كجانب أساسي له مدخلات التي قد لا يمكن حسابها أو يستحيل حسابها ماديا، وإنما هي هوى يستقر فى النفس لتتحرك به الأعضاء. يعتقد البعض أنه بالإمكان تحويل الجانب الروحي إلى مجال اختيار مع الوقت. أعترف أن هناك تقدماً مع الوقت فى هذا المجال حققته القفزة الإعلامية المتطورة يوما بعد آخر مع القنوات الفضائية ووسائل الاتصال الأخرى المتكاثرة بجميع الأشكال. أصبح بإمكانك أن تختار داعيتك المفضل حسب الطلب بالشكل والصورة والأسلوب الذي تحب والوقت الذي تريد كذلك. ويمثل شهر رمضان السوبر ماركت الكبير لمثل هذا الاختيار فدعايات البرامج والمشايخ تحتل الصحف والمجلات قبل الشاشات. أليس هذا يعد تقدما فى سبيل تسليع الدين وإدراجه في السوبر ماركت مع البضائع الأخرى! هذا على الأقل فيما يتعلق بمجتمعاتنا الإسلامية عندما يعتقد البعض أننا نعيش للدين وليس بالدين يصبح فى الأمر معضلة. الدين جاء لتخفيف معاناة الإنسان ولإرشاده لما يسعده فى هذه الدنيا، الدين جاء لنحيا به لا من أجله إلى أن تحين النهاية. النظرة لتسويقه جاءت لاعتقاد الغرب، وليس كله، بالطبع أنه في مواجهة مع الإسلامي، هكذا خيل له، أو جعله البعض يتصور ذلك نتيجة سوء العرض لهذا الدين الإنساني الخاتم. أنا أعتقد ما لم تكن لدينا القدرة لإظهار الإسلام كما أراده الله رحمة للعالمين، فعلينا وزر، أما إذا عرضنا بما يخالف ذلك فعلينا وزران. أعتقد أن من أول بدايات دخولنا عصر التسليع الديني لاشعوريا، هو التركيز على رمضان والقنوات الفضائية، والتسابق على عصرنة الإسلام بحجة، أو بأخرى، وتكاثر الدعاة بين ظهرانينا، في حين أن في شبابنا وبدايات النهضة فى دولنا في الستينيات، وأوائل السبعينيات كان الدين كالهواء النقي نتنفسه، ونسعى إليه ونعيش به ونحن لا نملك قناة واحدة ولا سوبرماركت من حولنا، وكان شيوخنا هم آباؤنا وأجدادنا، فلم نشعر بغربة الإسلام ولا بزيه المحدد ولا بأنيابه التي اصطنعوها.