13 سبتمبر 2025

تسجيل

ما بين المواطنة والوطنية

18 أبريل 2018

نَظَّم قسم الشؤون الدولية بجامعة قطر ندوة هامة بعنوان ( إستراتيجية الأمن الوطني في ظل المتغيّرات الإقليمية والدولية) يوم الأحد الماضي، ونوقشت في هذه الندوة قضايا هامة تختص بإستراتيجية الأمن الوطني ، ومنها: - مراكمة مصادر القوة العسكرية وبناء أحلاف قوية في الدفاع المشترك. - الحفاظ على تماسك النظام السياسي وتعزيز قيم المشاركة السياسية. - تقوية الدبلوماسية العامة في بناء السمة الوطنية. - تحقيق الأمن الغذائي والرفع من القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني. - بناء مجتمع المواطنة والحريات وتعزيز الأمن الفكري. ولقد تحدث متخصصون في تلك القضايا ، وجرت مناقشات بين الطلبة والطالبات وبين المحاضرين على خلفية ما تمرّ به المنطقة من منعرجات سياسية لعل أبرزها الحصار المفروض على دولة قطر منذ الخامس من يونيو من العام الماضي. نحن نعتقد أن الخطوات التي قامت بها الدولة منذ أولى لحظات الحصار أمّنت استمرار حياة المواطنين والمقيمين ، وأن تسير الحياة على ذات الوتيرة التي سبقت الحصار، بل إن الوعي المحلي قد تفتّح ، ودخل الشباب في مشاريع الحفاظ على المقدرات وبناء الخدمات التكافلية ، عبر المشاريع الصغيرة، ناهيك عن استمرار بناء البنى التحتية لمشاريع مونديال 2022، والتي لم تهدأ وتيرتها . وكانت الندوة فرصةً لتداول موضوع الأمن الداخلي وتعزيز الجبهة الداخلية ، والأمن الغذائي ، وكذلك مواجهة قضية استنزاف المياه الجوفية ، وطرح الحلول الناجعة لتأمين متطلبات المجتمع من الماء. وعلى الجانب العسكري قطعت الدولة الطريق على أية محاولة من دول الحصار للتفكير بعمل عسكري، وذلك عبر عقد اتفاقيات مع دول صديقة ، كان أبرزها مع الجمهورية التركية ، وبذلك تم نزع فتيل الخيار العسكري، وإن كان قد تم الإعداد له بصورة عملية من قبل دول الحصار. كما لعبت الدبلوماسية القطرية دورًا مهمًا في تعريف العالم بحقيقة الحصار وأهدافه ، إذا لم تتوقف زيارات حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى إلى بقاع العالم شرقًا وغربًا ، لتعزيز علاقات التفاهم والتعاون مع دول العالم. كما لعبت وزارة الخارجية ممثلة بسعادة الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني وزير الخارجية دورًا مؤثرًا في الرد الحاسم على كثير من إدعاءات دول الحصار ، وما أُثير في وسائل الإعلام حول دوافع الحصار وأهدافه. ولقد تحدثتُ في محور ( بناء مجتمع المواطنة وتعزيز الأمن الفكري) ، وكان رأيي أن هنالك خلطًا واضحًا في مفهومي الوطنية والمواطنة ، بيحث يخلط كثيرون بين المفهومين. فالمواطنة هي القيم والمعايير الحقوقية والقانونية التي تمكن الإنسان من التفاعل مع مجتمعه بصورة إيجابية عبر مشاركته في إدارة شؤونه في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية. أما الوطنية فهي تلك المشاعر والمظاهر التي يعبّر الإنسان خلالها عن حبه لوطنه وقيادته ويقف مع الوطن والقيادة في السراء والضراء. كما لفتُّ النظر إلى أن حمل جنسية بلد معين لا يعني ممارسة المواطنة، فالمواطنة الحقة أهم من الجنسية ، وليس كل متجنس أو حامل للجنسية بالضرورة يمارس مواطنته، ما لم يتشكل وجدانه وضميره وثقافته في البيئة التي يعيش فيها وينتمي لأهلها وللأرض معًا. ومن اشتراطات المواطنة الأساسية: 1- "قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات ؛ دون تميّز بسبب الدين أو اللون أو اللغة أو الجنس أو العرق أو المنشأ الاجتماعي، أو لأي سبب آخر. 2- قاعدة الحرية كقيمة عُليا لا يمكن تحقيق الحقوق الإنسانية الأخرى بدونها، فهي المدخل والبوابة الضرورية لجميع الحقوق، بما فيها حق التعبير، وحق تأسيس الجمعيات والأحزاب، وحق المشاركة في إدارة الشؤون العامة وتولي المناصب العليا، وإجراء انتخابات دورية على حق التملك والتنقل وعدم التعرض إلى التعذيب. 3- قاعدة العدالة بجميع صنوفها وأشكالها. 4- قاعدة الحق في المشاركة. ( المصدر- د. عبدالحسين شعبان، الهوية والمواطنة، البدائل الملتبسة والحداثة المتعثرة، مركز دراسات الوحدة العربية ، لبنان ، 2017، ص 29) ورغم عدم تحقق تلك القواعد في معظم البلاد العربية ، إلا أننا نلاحظ أن واضعي الدساتير التي تنظم حياة المجتمع كثيرًا ما يربطون النص الدستوري المانح بعبارة (وفق القانون) ، ثم يأتي نص القانون ليحجر ما نص عليه الدستور. كما أن بعض المجتمعات تربط بين حق المطالبة بتحقق المواطنة عمليًا بالغرب لأنها – حسب اعتقادهم – مفهوم غربي دخيل على الثقافة العربية والإسلامية. وتعتبر بعض الأنظمة المطالبة بالمواطنة خيانة للوطن ، وترى بعض الجماعات أن الولاء ليس فقط للدولة ، بل للجماعة أو القبيلة! وهذا مفهوم تجاوزه الزمن. لقد تطرقتُ إلى دور التعليم في تعزيز المواطنة ، لأنه يشكّل وجدان الإنسان ، وحقه في المطالبة بحقوقه كاملة مقابل التزامه بتأدية الواجبات المطلوبة منه! وأنه من المفيد أن تكون هنالك مساحات لتعليم المواطنة جنبًا إلى جنب مع مادة التربية الوطنية. ولقد لاحظتُ أن مستوى طلبة وطالبات المرحلة الجامعية متوضعًا في قضية فهم واستيعاب مفهوم المواطنة ، بل وأن لغة المجتمع العربية غائبة عن كثير من الطلبة والطالبات لأنهم لا يستخدمونها في تواصلهم ، كما أنهم لا يقرأون كتبًا خارج المنهج المقرر. بالنسبة لتعزيز الأمن الفكري، رأيتُ أن حاجة الإنسان للأمن الفكري لا تقل أهمية عن حاجته للأمن العسكري والأمن الاجتماعي والأمن الغذائي والأمن الصحي والأمن النفسي؛ لأن الأمن الفكري مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالعقيدة، وأن أية تيارات خارجية قد تشوه ثقافة الإنسان وموروثه الحضاري. والأمن الفكري مناط به حماية المجتمع من أية أفكار هدامة ، التي غالبًا ما تأتي من الخارج، وقد تنشأ أحيانًا من داخل المجتمع، ما هو الحال في قضايا الإرهاب والتغرير بالنشء وترويج المخدرات. كما أنه لا يمكن أن يكون هنالك أمن سياسي ما لم يتواجد أمنٌ فكري! فأفراد المجتمع يمكن أن تقودهم الآلة الأمنية لفترة من الزمن ، ولكن ليس على طول الزمن؛ نظرًا للمتغيرات السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية . وكلما كانت هنالك حرية في التفكير والاختيار، تعزز الأمن الفكري في المجتمع ، وأصبح الفرد مشاركًا فاعلًا في الحياة العامة في المجتمع. كما أنه لا يمكن تحقق الأمن الفكري من دون ممارسة المواطنة كاملة ، لأن مقابل التزام المواطن بالواجبات يترتب عليه حقه في الحصول على حقوقه في نفس الوقت. وإذا ما تحققت المواطنة الكاملة، فإنه يصعب اختراق المجتمع من قبل أعداء البلد، ويقوى التماسك المجتمعي ، ويزيد في مناعة المواطن وقوته في التصدي للأفكار الغازية المخالفة لصيرورة المجتمع ومعتقداته وتقاليده. فالمجتمع الذي يعزز دور القبيلة أو العائلة على دور الوطن ، ويُطبق ( أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب) لا شكّ أنه مجتمع هشٌّ وقابل للاختراق الفكري. كما أن استعمار العقول له نتائج خطيرة أكثر من استعمار الأرض. ذلك إن لم تكن الذاكرة الجمعية للمجتمع قادرة على استيعاب ما يجري حولها ، ولا تستشرف المستقبل، ولا يكون لها قوة للتحليل الموضوعي المنهجي لما يدور حولها، فإنها هي الأخرى قابلة للاختراق، خصوصًا عند الأزمات الكبيرة. ومن نتائج تشوه الفكر المجتمعي عدم توحّد المجتمع على لغة واحدة ، فاليوم تعاني المجتمعات الخليجية من تغلغل اللغة الإنجليزية جنبًا إلى جنب مع اللهجات المحلية، ولقد وصل ذلك إلى وسائل الإعلام الرسمية ، وهذا يلحق ضررًا بأنماط التفكير، والتفاهمات بين أفراد المجتمع، ويساهم في تشوه الأوعية الحافظة للثقافة العربية بل وللثقافة الإسلامية على وجه الخصوص. وأخيرًا فإن بناء مجتمع المواطنة يستوجب تضافر الجهود ما بين المجتمع والدولة، دون إلقاء كامل العبء على الدولة ، ذلك أن المشاركة تُحتم أن يكون الفرد فاعلًا في قضايا التنمية ، مُمارسًا إيجابيًا للمواطنة ، ولن يتأتى ذلك إلا بوجود خطوات وتحصينات تؤمن له الأمن الفكري.