10 سبتمبر 2025

تسجيل

المقومات العملية لحضارتنا الإسلامية

18 أبريل 2012

الحمد لله الذي جعل العمل مباركا ومثمرا، ومن جد وجد، ومن طلب أمرا وبذل أسبابه نال منه مبتغاه، ولكل مجتهد نصيب ولكل عامل أجر. الإسلام دين عملي هذا ما أؤمن به، الإسلام دين عملي حركي، وليس ديناً سكونياً ميتاً، دين عملي في أغلب تطبيقاته، وانظر إلى الصلاة مثلاً، كيف تصنع حراكاً في المجتمع وحيوية، ولقد استفادت الشعوب في الربيع العربي من هذه الظاهرة، فجعلوا يوم الجمعة ملتقىً لهم، ومرتكزاً لثوراتهم، وأطلقوا اسماً على كل جمعة يتظاهرون فيها، فسمعنا عن جمعة لن نركع، وجمعة الحسم، وجمعة حماية الثورة، وجمعة النصر، ويحق لي أن أسأل: هل يوجد دين بهذه الصورة الرائعة..؟! الإسلام دين عملي ودين وسطي في الوقت نفسه، راعى بطبيعته العملية الطبيعة التكوينية للإنسان، الذي خلقه الله تعالى في حالة وسط بين الملائكة والشياطين، ومن سمات هذا الإنسان أن روحه تسمو بفعل الصالحات، وإيمانه يزيد بالطاعات، وعلى النقيض تماما تثقل روحه بالمعاصي، وتنقص إيمانه بالخطايا من صور عمليةِ الإسلام (1) راعى الإسلام الطبيعة التكوينية للإنسان، الذي قد يشعر بالملل والسآمة من تكرار فعل الشيء، فكلفه بالعبادة ولكنه لم يطلب منه الانقطاع لها، بل نوّع العبادات، فجعل منها عبادات بدنية كالصلاة والصيام، وجعل منها عبادات جامعة كالحج والعمرة، وجعل منها عبادات مالية كالزكاة والصدقات، وجعل منها عبادات ساكنة لا حركة فيها كالخشوع والتفكر والتأمل والإخبات لله رب العالمين. 2) كذلك راعى الإسلام بطبيعته العملية اللحظات التي يتذبذب فيها الإنسان بين قوة وضعف، بين صحة ومرض، بين سفر وإقامة، فغيّر في المدى الزمني، فجعل هناك عبادات موسمية، بحيث تؤدى مرة واحدة في العمر كالحج، وجعل منها عبادات أسبوعية كصلاة الجمعة، وجعل منها عبادات يومية كالصلاة. 3) راعى الإسلام بطبيعته العملية كذلك الاستعدادات عند البشر، من حيث القوة والضعف، فطالب المسلم بتأدية الفرائض كحدٍ أدنى، ثم فتح باب التطوع لمن أراد المزيد من الثواب والأجر، كل بحسب قوته وهمته. (4) راعى الإسلام بطبيعته العملية كذلك الظروف الطارئة التي قد تمر بالمسلم، فشرع الجمع بين الصلوات للمسافر، وخفف عن المريض في الصلاة، فأجاز له أن يصلي قاعداً أو مضجعاً أو على جنبه حسب استطاعته، وأباح للمسافر أن يفطر في رمضان. (5) حتى في فرض الأحكام الشرعية راعي الإسلام سنة التدرج، بحيث فُرضت الشريعة على مراحل، ولما استقر التشريع واكتمل الدين نجد تنوّع الأحكام الشرعية، بين واجب ومندوب، وحرام ومكروه، ومباح. * المقومات العملية للحضارة الإسلامية أولاً - رعاية الأجساد المرتبطة بالروح أول المقومات العملية للحضارة الإسلامية هو أن رعاية الأجساد عندنا مرتبطة بالأرواح، بطريقة تحقق التوازن للجانبين، فديننا لا يمنع من العناية بالجسد، بل يحث على العناية به، شريطة أن يستغل هذا الجسد من أجل السمو بالروح، وأن يستثمر في التقرب إلى الله تعالى، عندها تكون العناية بالجسد عبادة يُتقرب بها إلى الله تعالى، يقول جابر بن عبد الله ( (( أَتَانَا النَّبِيُّ ( فَرَأَى رَجُلًا ثَائِرَ الرَّأْسِ فَقَالَ أَمَا يَجِدُ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَهُ )) النسائي. هذا هو إسلامنا العظيم، أما الحضارة الغربية فإنها تعلي من شأن الجسد على حساب الروح، ويُنفق في بلادهم البلايين سنوياً على الجسد وما يتعلق بجماله وملذاته ورفاهيته. الجسد وعاء الروح النبي ( لم يحتقر الجسد، ولم يرَ أن الاهتمام به خطيئة، بل دعا إلى التوازن في الحياة، من خلال الإشباع الحلال لحاجيات الجسد، من غير إسراف أو تبذير، لأن الروح تعيش في الجسد، وهو وعاء لها وتتأثر به، بل طالب بالاهتمام بالجسد والعناية بمتطلباته الحلال، يقول أنس ( في الحديث المشهور(( جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ( يَسْأَلُونَ عن عِبَادَةِ النَّبِيِّ (، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ ( قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ( إِلَيْهِمْ فَقَالَ أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عن سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي )) رواه البخاري من يملك جسدي من منا يملك جسده..؟ هل أنتَ تملك جسدك..؟ وهل أنتِ تمليكن جسدك..؟ للإسلام فلسفة خاصة للإجابة على هذا التساؤل خلاصتها أن الإنسان لا يملك جسده، بل هو ملك لله تعالى، ووديعة وأمانة عند الإنسان، ( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ( لذا يجب عليه أن يجتهد لصيانة هذه الأمانة، فأجسادنا ملك لله تعالى، جعلنا نتصرف فيها نيابة عنه بتوجيه منه، ومن هنا نستطيع أن ندرك علة تحريم الشريعة لبعض السلوكيات التي تؤذي الجسد وتسيء إليه، ومن تلك السلوكيات الوشم: يقول ابن عمر ( (( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ( الْوَاشِمَةَ وَالْمُتَوَشِّمَةَ )) أحمد ويحصل الوشم بأن يغرز الجلد بإبرة ونحوها، ثم يذرّ عليه مواد معينة تعطيه ألواناً مختلفة كاللون الأخضر و الأزرق، وهو محرم بإجماع العلماء، والعلة في ذلك أن فيه إيذاءً للجسد، ثم فيه تغيير لشيء لا يملكه الإنسان. الانتحار خيانة للأمانة وكذلك حرّم الإسلام الانتحار، وجعله سبباً موجباً لدخول النار، لأن المنتحر ضيع الأمانة ( الجسد ) بعد أن استأمنه الله تعالى عليها، ومثله كمثل من يستعير سيارة من صديقه ثم يعمد إلى حرقها عمداً، ولله المثل الأعلى. وعن عاقبة المنتحر يقول النبي ( (( مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا )) رواه البخاري د. طارق محمد السويدان