وداعاً يا مدن الأندلس العريقة محمّلاً بأحزاني (3-3)

كنا خير أمةأخرجت للناسنبني ونصلح وأصبحنا أسوأ أمة يحارب بعضها بعضاً لو بقي العربفي الأندلسإلى يومنا هذا لما عثرنا على ما صنع الميامين الأول ➊ كان اختيار الأندلس للقاءات مؤتمر (المعهد العالمي للتجديد العربي)، الذي يتكون أعضاؤه من ثلة من أهل الفكر والقلم المنشغلين بالهم العربي موفقاً كل التوفيق، لقد ربطونا بالتاريخ، وراح الكل يتساءل كيف ضاعت منا الأندلس؟، حي القصبة في ملقا بناه بنو حمود في مطلع القرن الحادي عشر ميلادي، وما برح شاهداً على التاريخ لم يهدم، جرى ترميمه مع مرور الزمن دون تعديل إلا بعض أركانه أقيمت كنيسة كاثولوكية وعبدت طرقاته. إلى قرطبة المدينة الخالدة بنيت عام 710م ولن أتحدث عن المدينة وأزقتها ومساريبها ذات الطابع العربي الممزوج بلمسة فرنجية لكني سأتوقف عند مسجد قرطبة شبيه بالمسجد الأموي الدمشقي وأقواس بيت المقدس، بني مسجد قرطبة في عهد عبدالرحمن الداخل عام 785م، وجرت عليه توسعات نظراً لتزايد عدد السكان وتزاحم المصلين فتمت التوسعة الأولى في عهد عبدالرحمن الثاني عام 821م، وتوسعة ثالثة في عهد عبدالرحمن الناصر عام 912، وتوسعة أخيرة في العهد العربي تمت في زمن الحكم الثاني عام 961م. الملاحظ أن هذه التوسعات المتتالية في أزمان حكام متعددين لم يتم إجراء أي تعديل على الهيكل البنائي الأول وإنما تمت الإضافات المتعددة دون أن تلغى التوسعات المتلاحقة وبقيت محتفظة بشكلها وبنائها كما كانت في تلك العهود. ➋ يقودني هذا إلى استدعاء التوسعات التي جرت على أول بيت وضع للناس في مكة المكرمة "الحرم المكي" لقد جرت توسعات كثيرة على المسجد الحرام من عهد عمر بن الخطاب مرورا بعثمان بن عفان، وعبدالله بن الزبير والوليد بن عبدالملك وأبو جعفر المنصور وكذلك المعتضد بالله والمقتدر بالله وآخرون في تلك العصور الغابرة، وجاء دور العثمانيين وأضافوا إصلاحات وترميمات، لكن من المؤسف أن تلك الآثار وجهود السابقين في خدمة بيت الله الحرام قد أزيلت وأصبحت أثرا بعد عين. وأصبح الحرم المكي في ظل التوسعات الحديثة التي حدثت في الحقبة السعودية أشبه ببئر عميقة تنظر إلى ساحته من عل، تحيط به ناطحات سحاب تكاد تطغى على هيبة الحرم المكي وقدسيته. وكم كنت أتمنى لو بقيت آثار السابقين شاهدة على جهودهم. الآثار الخالدة كدار بن أرقم وبني شيبة ودار الندوة ودار أبي سفيان ودار عائشة وغير ذلك من الأثر التاريخي إلى بيت رسول الله محمد عليه السلام وغيره من كبار أهل مكة في صدر الإسلام وعصر الجاهلية، وكنت أتمنى لو بنيت ناطحات السحاب خارج الوادي الذي به الحرم، ورممت البيوت والشوارع المحيطة بالحرم من قصر السقاف جنوبا إلى المسفلة شمالا لتكون جزءا من الحرم، ولكن لا غالب إلا الله. لقد حافظ الإسبان "النصارى" على تراث الإسلام والمسلمين في الأندلس رغم تتابع الزمان وتلاحق الزلازل، لكنهم كلما سقط ركن من أركان البناء العربي أعيد ترميمه كما كانوا يستعينون ببناة من بلاد المغرب العربي ومن بلاد الشام. ➌ أعود إلى الحمراء، وقفت على بوابات الدخول إلى داخل قصر الحمراء في صحبة دليلة سياحية ورفقة أخ عربي من أهل الفكر والقلم أتأمل هذا الصرح العظيم الذي شيده الأجداد، دليلتنا السياحية ليست كالدليلة السياحية التي رافقت الشاعر نزار قباني، ورحت استدعي من الذاكرة أبياتا نظمها نزار اقتبس منها بعض الأبيات: ومشيت مثل الطفل خلف دليلتي وورائي التاريخ كوم رمادي الزخرفات أكاد اسمع نبضها والزركشات على السقوف تنادي. إلى أن يقول: قالت هنا الحمراء زهر جدودنا فاقرأ على جدرانها أمجادي. أمجادها؟ ومسحت جرحا نازفا ومسحت جرحا ثانيا بفؤادي وتداخلت روايات الشعراء عن غرناطة في ذاكرتي وهذا أبي البلقاء الرندي يقول في رثاء الأندلس: أين غرناطة دار الجهاد فيكم أسدي الشدى وهو في الحر فرسان وأين حمراؤها العليا وزخرفها كأنها من جنان الخلد عدنان والماء يجري بساحات القصور بها قد حف جدولها زهر وريحان لقد بكيت بأدمعي الخرساء وصمتي الرهيب الذي كاد يمزق السكون على ما ضاع منا في قرطبة وغرناطة وأشبيلية وملقا وما يضيع اليوم. ضاعت منا الأحواز، والاسكندرون، وضاعت سبتة ومليلة، وضاعت اوغادين واليوم تضيع فلسطين وقادتنا على الأرائك متكئون يتسابقون على الغنائم وكراسي الحكم واسترضاء الرئيس ترامب الرهيب. ➍ بقدر أحزاني وآلامي على فقدان الأندلس بمدنها الخالدة وبعد تأمل عميق حمدت الله وشكرته على أن العرب أخرجوا من إسبانيا لأنهم لو بقيوا فيها إلى يومنا هذا لما عثرنا على ما صنع الميامين الأول وما شيدوا من تراث حضاري ما برحت واقفة تتحدى صولات الدهر. هل تذكرون ما حل بحضارة بلاد الرافدين عام 2003م، وما يحل ببلاد الشام واليمن اليوم. حضارة تندثر بفعل عربي إسلامي ولا حول ولا قوة إلا بالله، وحسبنا الله ونعم الوكيل. آخر القول: كنا خير أمة أخرجت للناس نبني ونصلح، وأصبحنا أسوأ أمة يحارب بعضها بعضا يدمرون بأيديهم بيوتهم وما بناه الأجداد. يارب، هل يرضيك ما يفعله بنا بعض حكامنا ؟ اللهم زلزل عروشا وقصورا على رؤوس كل من أراد بأمتنا العربية شرا إنك سميع مجيب. [email protected]