18 سبتمبر 2025

تسجيل

من أدب الرحلات.. زيارتي الأولى لمحافظة فطاني (1-3)

18 فبراير 2020

بتوفيق الله عدت للتو من رحلتي الأولى إلى فطاني إحدى محافظات جنوب مملكة تايلاند، تلبية لدعوة كريمة من سعادة الدكتورين الفاضلين إسماعيل لطفي رئيس جامعة فطاني والهيئة الاستشارية لمؤسسة التنمية الاجتماعية، والدكتور محمد سماروه نائب الرئيس التنفيذي للمؤسسة، بصفتي نائباً شخصياً عن أخي وصديقي الفاضل سعادة الشيخ عبدالله بن خليفة بن عبدالله آل ثاني راعي الحفل الكريم الداعم لمشروع المؤسسة ذات النفع العام لأهالي منطقة فطاني وما جاورها، فتوجهت عبر طيران خطوطنا الوطنية إلى مطار العاصمة بانج كوك ومنها إلى مطار ناراثيوات جنوب البلاد عبر الخطوط التايلاندية ومنه إلى حيث مقر إقامتي في الفندق هناك، وقبل أن انتقل إلى وصف مجريات رحلتي الماتعة النافعة تلك، فمن الجدير بالذكر هنا تقديم لمحة تعريفية للقارئ الكريم عن محافظة فطاني: اسم فطاني باللغة الملايوية يعني الأب المزارع وقديماً تطلق على المنطقة الجنوبية برمتها من مساحة مملكة تايلاند، وتقع في نطاق شبه الجزيرة الملايوية وكانت دولة إسلامية مستقلة، أما حاليا فإنها محافظة بين عدة محافظات جنوبية تابعة لمملكة تايلاند، وتنقسم إلى أربع مقاطعات فطاني وناريثيوات وجالا وستول، وقد دخلها الإسلام حسب ما أورده الدكتور محمد داوود سماروه في كتابه القيم مسلمو تايلاند التاريخ والمستقبل، منتصف القرن الخامس عشر الميلادي باتفاق المؤرخين، ومنهم من يرى أن الإسلام وصل فطاني في القرن الأول الهجري أي منذ القرن السابع الميلادي، وأن سبب دخولها في الإسلام يعود إلى قصة عجيبة مفادها باختصار: أن ملكها الوثني أصيب بمرض عضال استعصى على جميع الأطباء فأعلم الملك رعيته أن من استطاع علاجه فإنه يزوجه من ابنته، وعندما وصل الخبر إلى إحدى القرى التي بها بعض المسلمين، ومنهم الداعية صفي الدين سعيد الذي قال لوفد الملك: أخبروه أني أعالجه إذا رغب في اعتناق الإسلام وليس بهدف الزواج من ابنته، فوافق الملك ظاهريا على شرطه وتعهد له بذلك فعالجه وشفي بإذن الله لكنه نقض عهده ولم يسلم، ورجع الشيخ إلى قريته صابراً محتسباً، ومقدراً ما يلاقيه الملك من وطأة التقاليد والمعتقدات الوثنية، ثم تنتكس حالة الملك ثانية ويعاوده المرض فيعاهد الشيخ أنه سيسلم إن استطاع علاجه، وقد تم ذلك بقدر الله، وهنا وجه الشيخ سعيد كلمة مؤثرة للملك قائلا: (يا جلالة الملك: إذا لم تكونوا صادقين في وعدكم فإن علاجي لن ينفعكم) مما يدل على قوة إيمان هذا الداعية وثقته بالله، مذكرا الملك أن هناك قوة سماوية هي التي تمنح الشفاء للمرضى، فيعالجه وتعود إليه صحته ويرجع الشيخ الداعية من حيث أتى، ويمر عام فيعود المرض مرة أخرى إلى الملك، وهنا أقر الملك بفضل الشيخ عليه وتعهد بالتزام تنفيذ وعده باعتناق الإسلام في حال شفائه على يد الشيخ وقد حصل بفضل الله، فأبلغ الشيخ الملك أنه إذا مرض مجددا فلن يعالجه مرة أخرى إن لم يف بوعده مهما تكن عقوبته، وبعد مضي شهر جمع الملك وزراءه ورجاله وأعوانه، وأعلمهم عن عزمه اعتناق الإسلام، فأقروه على ذلك، وأرسل إلى الشيخ سعيد وأبلغه بالخبر السعيد فجاءه ولقنه شهادة التوحيد ولقنها كذلك القواد والكهنة وخدام الملك، وعرض على الملك أن يختار لنفسه اسما إسلاميا وهنا طلب عهد الملك للشيخ بهذه المسؤولية فلقبه بالسلطان إسماعيل شاه وأسمى ابنيه بالسلطانين مظفر شاه ومنصور شاه وأختهما سيتي عائشة، وعين الشيخ صفي الدين سعيد مفتيا عاما في فطاني، وبذلك انتشر الإسلام بين عامة الشعب وأصبح دين الدولة الرسمي وتحولت المملكة الوثنية إلى الإسلام الذي أشرق بنوره على أرجاء البلاد، برحمة الله ثم بحكمة وإخلاص ذلك الداعية المسلم. المقال القادم بإذن الله أتناول فيه عرضا مختصرا للمسيرة الحضارية في تلك المنطقة. [email protected]