11 سبتمبر 2025

تسجيل

آل سعود .. البيت المتصدع

18 فبراير 2018

عرف أبناء عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (ابن سعود)، صعوبة انتزاع الحكم من أبيهم، ولذلك قام كل واحد منهم يعد نفسه للحكم من بعده. كان المرشح الأقوى هو تركي الأول (خواله بني خالد)، ولكنه توفي، في 1919، بالأنفلونزا الأسبانية. قام ابن سعود، في 1933، باختيار سعود (خواله بني خالد) كولي عهد. بدأت المنافسة الخفية بين زوجات ابن سعود، فكل واحدة منهن تريد ضمان دور ومنصب لأبنائها. قام محمد بن عبدالعزيز "أبي الشرين" (خواله من آل سعود)، بتوجيه من والدته، بالاعتراض كتابياً على تنصيب سعود. كذلك قام محمد بن عبدالرحمن (شقيق ابن سعود) بالاعتراض على سعود، لأنه يرى أن ابنه خالد (خواله من آل سعود) هو الأجدر، ولهذا قام بمحاولة اغتيال سعود مرتين. فما كان من ابن سعود، حتى ينهي الصراع، إلا أن قام بتزويج خالد ابن شقيقه على إحدى بنات فيصل بن عبدالعزيز. طلب ابن سعود من جميع آل سعود القدوم لمبايعة سعود كولي عهد، فقام جمع كبير منهم، ومنهم شقيقه محمد، بالذهاب إلى العمرة هرباً من المبايعة. كل محاولات ابن سعود لإرضاء شقيقه لم تفلح فما كان منه، وكما ذكر البعض، إلا أن دبر حادثة اغتيال لخالد بن محمد وهو في رحلة صيد. بدأ الخوف يتسلل في قلب سعود من سطوة أخيه فيصل، لدرجة أنه لم يسافر لعلاج نفسه خوفاً من أن يسلبه فيصل ولاية العهد. منصور بن عبدالعزيز (ابن جارية أرمنية) هو الآخر كان من المنافسين لسعود وفيصل، وبخاصة أنه كان وزيراً للدفاع، وكان يحظى بدعم الدول الغربية. ولكن منصور أصابه المرض فجأة، ونقل للعلاج بالخارج، وتوفي هناك وسط شبهات باغتياله. وبمجرد وفاة ابن سعود وتولي سعود الحكم، في 1953، واستلام فيصل ولاية العهد، بدأت الخلافات تتصاعد وبالأخص بين سعود وفيصل. وكان سعود يتعمد تهميش فيصل وبقية أشقائه، ولكن بعد محاولة استيلائه الفاشلة على واحة البريمي، قام أبناء ابن سعود بالضغط على سعود فسلم صلاحية اتخاذ القرار إلى مجلس الوزراء، الذي كان فيصل يرأسه. ولكن إصلاحات فيصل جوبهت بمعارضة قوية من أبناء ابن سعود، وبالأخص عندما قلص مخصصاتهم المالية. قام سعود، بدعم من إخوانه، بإقالة فيصل من رئاسة الوزراء وتعيين طلال بن عبدالعزيز مكانه، وقام بإبعاد إخوانه فهد (وزير الداخلية) وسلطان (وزير الدفاع) من مناصبهم. استغل فيصل إبعاد فهد وسلطان من مناصبهم الوزارية فقام بتحريك السديرون السبعة (فهد وسلطان وعبدالرحمن وتركي ونايف وسلمان وأحمد أبناء حصة بنت أحمد السديري) ضد سعود. ومع ازدياد المشاحنات بين سعود وفيصل قام طلال بتقديم استقالته، وأسس، مع أربعة من إخوانه، في 1958،حركة "الأمراء الأحرار" التي كانت تنادي بإنشاء حكم دستوري برلماني، وإبعاد آل سعود عن شئون الحكم. أمر سعود بالقبض على طلال إلا أنه غادر إلى مصر بضيافة جمال عبدالناصر. فما كان من سعود إلا أن سحب الجواز الدبلوماسي منه، في نفس الوقت قام بالتخطيط لاغتيال جمال عبدالناصر. وفجأة مرض سعود (ربما بتدبير من الأمريكان) وأجبر على السفر إلى أمريكا للعلاج، ولكنه اختار النمسا لذلك. استغل فيصل سفر سعود فقام بالسيطرة على مقاليد الحكم بالسعودية، بل وقام بإعادة تشكيل مجلس الوزراء مبعداً جميع أبناء سعود وحلفائه. لم يستطع سعود عمل شيء وهو بالخارج، وقبل رجوعه للسعودية طلب منه إخوانه بالموافقة على أن يصبح ملكًا صوريًّا وإلا منع من العودة للبلاد. وافق سعود على ذلك، عندها قدم "الأمراء الأحرار" للرياض وطلبوا العفو من شقيقهم فيصل الذي رفض ذلك. اندلعت ثورة 26 سبتمبر أو حرب شمال اليمن الأهلية، في 1962، بين المملكة المتوكلية والجمهورية العربية اليمنية. فقام فيصل بدعم المملكة المتوكلية، يسنده في ذلك كل من بريطانيا والأردن وإيران والباكستان، حتى إسرائيل قدمت الأسلحة والمرتزقة من الأوروبيين، بل وقامت بإنشاء جسر جوي بين جيبوتي وشمال اليمن. في حين أن مصر هي الداعم الوحيد للجمهورية اليمنية. وفي فترة انشغال السعودية بحرب اليمن، أعلن علماء الدين والقضاة برئاسة مفتي المملكة محمد آل الشيخ (أحد خوال فيصل) خلع سعود وتنصيب فيصل ملكاً. طلب فيصل من سعود مغادرة المملكة، وفي المطار حضر فيصل مودعاً أخيه، وانحنى مقبلًا يده. استلم فيصل الحكم، وتم تعيين خالد بن عبدالعزيز (لأنه ضعيف الشخصية)، بدلاً من، حسب التسلسل العمري، محمد "أبو الشرين"، ولياً للعهد. وبالرغم من استحواذ السديرين على العديد من المناصب الحساسة إلا أن فهد بن عبدالعزيز، بدعم من شقيقيه سلطان وسلمان، سعى للإطاحة بعبدالله بن عبدالعزيز رئيس الحرس الوطني (خواله آل شريم). أدرك فيصل أن الإطاحة بعبدالله تعني الإطاحة بحكمه وبسيطرة السديريين على الحكم، فقام بإفشال تلك المحاولة. قام خالد بن مساعد بن عبدالعزيز (خواله من آل سدير وجده لأمه طلال آخر ملوك آل رشيد)، المتشرب بفكر إخوان من أطاع الله، بالهجوم، في 1965، على مبنى التلفزيون السعودي، ولكن تم ثنيه عن هذا الأمر، فما كان من فيصل إلا أن أمر فهد، وزير الداخلية، بالقبض عليه، ولكن أحد أفراد الشرطة أطلق عليه رصاصة في رأسه وأرداه قتيلاً. فما كان من فيصل شقيق خالد، المعارض لتوجهات فيصل، والمشحون بالبغض لآل سعود بسبب ما فعلوه بأجداده من آل الرشيد، والتحريض المستمر من أبناء سعود له، وبمحاولة الثأر لمقتل شقيقه، إلا أن توجه، في 1975، لفيصل وأطلق عليه عدة طلقات من مسدسه وأرداه قتيلاً. بعد مقتل فيصل ووصول خالد للحكم بدأ التنافس من جديد على منصب ولي العهد. فقام السديريون إلى دفع أخيهم الأكبر فهد، ولكن كان هناك ناصر الذي كان رافضاً خلع سعود، وسعد العضو في حركة "الأمراء الأحرار"، وبندر، أكبر من فهد في العمر، إلا أن فهد اغتصب ولاية العهد منهم. ولأن خالد لم يكن يطمح للحكم لطيبته الشديدة، وعدم درايته بأمور السياسة، فقد استحوذ فهد على الحكم منذ ولايته للعهد. دعم فهد سيطرته بسلطان وزيراً للدفاع ونايف وزيراً للداخلية وسلمان أميراً للرياض، ووزع باقي المناصب على أبنائه. توفي الملك خالد في 1982 واستلم الحكم فهد فتم تجاوز مساعد بن عبدالعزيز الذي كان فاقداً للبصر، وتعيين عبدالله ولياً للعهد حتى لا يحدث صدام بين الحرس الوطني والجيش السعودي. أصيب فهد، بعد حرب تحرير الكويت، بالزهايمر فتحول إلى ملك صوري، وبه أصبح عبدالله هو الحاكم الفعلي للسعودية. وبما أن عدد أبناء ابن سعود في تقلص مستمر بسبب الإقصاء أو الوفاة، فقام عبدالله بإنشاء هيئة البيعة يتمثل فيها أبناء ابن سعود أو أكبر أبنائهم. أغدق عبدالله على أعضاء الهيئة بالأموال، وكل ذلك لكي يمنح ابنه متعب الفرصة ليصبح حاكم السعودية. وللتأكيد على منح ابنه القوة اللازمة لتحقيق ذلك، قام بتحويل الحرس الوطني إلى وزارة وسلمها لابنه. ومن الصدف أن يتوفى وليا العهد سلطان (2011) ونايف (2012)، فاضطر لتعيين سلمان، المصاب بالزهايمر، ولياً للعهد. ولأنه كان يتوقع وفاة سلمان في أي لحظة فقام بابتكار منصب ولي ولي العهد، وتخطى أحمد بن عبدالعزيز، ونصب أخاه الموالي له مقرن. شاءت إرادة الله أن يتوفى عبدالله قبل سلمان. حاول مقرن ومتعب وخالد التويجري رئيس الديوان الملكي التستر على الوفاة ليكون عندهم الوقت لإبعاد سلمان من الحكم. لكن محمد بن سلمان، الذي يدير الحكم باسم والده، قام بتهميش مقرن ومتعب وخالد التويجري. وفي سبيل ضمان وصوله للحكم فقد قام بانقلاب على محمد بن نايف وأقصاه من ولاية العهد. وفي الختام نقول كما قال تعالى (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُون) العنكبوت: 41. إن الصورة التي يرسمها آل سعود لهم تبين خلو السعودية من أي فتن أو انشقاق بين الأبناء، ولكن، وكما رأينا، أنها بعكس ذلك. فالصراعات بين آل سعود على الحكم وعلى المناصب مستمرة، وهي تعكس مدى الفساد والتفكك بين أفرادها، ويتوقع الكثيرون أن يستمر الصراع بين آل سعود بشكل أكثر ضراوة، وربما يصل إلى تصفية أطراف على حساب أطراف أخرى.  والله من وراء القصد ،،