23 سبتمبر 2025
تسجيلاختتم بنجاح وتنظيم دقيق وجهد كبير، يوم الأربعاء 14/2/2018م مؤتمر الكويت الدولي لإعادة إعمار العراق الذي استضافته، بلفتة كريمة، دولة الكويت الشقيقة على أرضها، بمشاركة عدد من كبريات الدول المانحة ومجموعة من المنظمات الدولية والإقليمية بلغ عددها 76 دولة ومنظمة، بهدف الحصول على إسهامات مجزية وقروض واستثمارات لإعادة إعمار المناطق المحرّرة من الإرهاب والمناطق المحتاجة للمساعدات والمدمّرة من الحرب ضد "داعش"، والتي تتطلب ما يقرب من 100 مليار دولار لإعمار منازلها ومدارسها ومستشفياتها وبناها التحتية، بعد حروب طاحنة وصراعات داخلية وتدخل قوى إقليمة ودولية استنزفت مقدراتها المادية وهتكت بنيتها التحتية. وشردت سكانها، وقضت على حضارتها وموروثاتها، وأعلن من خلاله نائب مجلس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي أنه تم التعهد بتقديم 30 مليار دولارأمريكي من الدول والمؤسسات والمنظمات غير الحكومية، فتجاوز الحد المطلوب في هذا المؤتمر الذي حدد بـ 23 مليار. هذا الطريق في التواصل الإنساني والدعم الإنساني ليس غريبا على دولة الكويت، فأصبح وَسماً بُصم في أجندتها ومنهجا إنسانيا مختلفا للوقوف مع المتضررين من الحروب التي صنعتها الأنظمة الجائرة، لتنقل للعالم رسالة سامية قائمة على مبدأ ديني وجوبي في دعم ومساندة الشعوب المتضررة من الكوارث أيا كان نوعها، فليس غريبا على الكويت وأميرها هذا المنهج، وهي التي احتضنت سابقا المؤتمر الثالث للمانحين لدعم الوضع الإنساني في سوريا، الذي عقد عام 2015 م على أرضها، والذي بلغت حصيلته 3,8 مليار دولار من أجل النازحين المتضررين من الشعب السوري المتألم، ثم هو امتداد لتاريخها في الوقوف إلى جانب الأشقاء العرب والمسلمين في الحروب والكوارث والنزاعات، فالأزمة اليمنية نموذج، فقد استضافت الأطراف المتنازعة في اليمن من البداية للتحاور والصلح، كما هو دورها الريّادي في حل الأزمة الخليجية الحالية، وإن دلّ عَلى شيء فإنما يؤكّد على ثقة المجتمع الدولي. بدور الكويت وتوجهها الصادق نحو السلام والأمن ولم الشمل بين الفرقاء، بدعم وجهود وحنكة أميرها الشيخ صباح الأحمد حفظه الله، أبو الإنسانية وما يحظي به من مكانة مرموقة لدى قادة الدول العربية والدولية، حتى وصفه الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" بالبطل الإنساني العالمي، ويجب على قادة دول العالم الاقتداء به". إنها أخلاقيات سامية تكشفها المواقف. ولكن يبقى السؤال، إلى متى تدفع الدول والشعوب والمنظمات الخيرية والإنسانية ضريبة الأنظمة الفاسدة التي تبحث عن مصلحتها!، وإلى متى تداوى جروح الشعوب المتضررة بالمؤتمرات والمساعدات والإعمار، ومعاول الهدم والنزوح والفساد مازال قائما بلا حسيب ولاعقاب!، فالكوارث تتوالى على أوطاننا العربية والإسلامية، لا نهاية لها، خاصة في السنوات الأخيرة جُّلها من الحروب والنزاعات بين الأنظمة الجائرة والمذاهب العقائدية المتضاربة وأطماع القوى الكبرى اقتصاديا وعقائديا، وانهيار مبدأي العدالة والمساواة التي أكّد عليهما القرآن الكريم كضرورة حتمية لحكم مستقيم يدعو للأمن والسلام والبناء وحقن الدماء ، أصبحت تلك الأنظمة هي التي تتحكم في بوصلة شعوبها وتُحركها ليقف مؤشرها على مصلحتها الخاصة وأحكامها السلطوية الاستبدادية القائمة على القمع والإقصاء ورعاية الفساد وبمنطق "أنا ومن بعدي الطوفان"، تُدّمر المدن والقرى وتنزح الشعوب من موطنها إلى الملاجئ والمخيمات، وتُفتح أبواب المعتقلات والسجون، وتتناثر دماء الشهداء، تسرق المقدرات والموروثات، وتبدأ الدول العظمى في التدخل من أجل مصلحتها ويترك لها المجال العسكري والقمعي فيبدأ التفكك وزرع فتيل الفتن والحروب ودس المؤمرات وتنفيذ المخططات الصهيونية العدائية، وهكذا أصبحت معظم دولنا العربية التي تهالكت وانهارت بنيتها الجغرافية والتاريخية والحضارية والبشرية والعسكرية والاقتصادية وغيرها، نتيجة زعزعة وفساد أنظمتها، أليست السلطة الحاكمة في أي دولة هي المكون الأساسي في بناء أمة عظيمة مستقرة تقوم على سيادة القانون وتحقيق المساواة والعدالة! كما هو دورها في هدم بنيان الأمة وضعفها وهدم إنجازاتها وحضارتها، بالتسلط والاستعباد! العراق واليمن وسوريا نموذج لأنظمة فاسدة وتدخل قوى إقليمية ودولية بكيانها العسكري بهدف القضاء على الإرهاب، ومازالت شعوبها في وضع مؤلم وخانق يدفع الثمن ومازال الإرهاب هو االسائد، وصدق الله في كتابه "وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ"، فهل الإعمار هو الحل الأمثل والأخير لحل الأزمات الكارثية البشرية في بقاء الأنظمة السلطوية الفاسدة في تلك الدول! وماذا عن الحضارات والموروثات والمخطوطات الإسلامية التاريخية والثقافية والمعمارية المفقودة والمنهوبة والمدمّرة، كيف يمكن إعادتها! وماذا بقي للأجيال القادمة من التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية، تقول عالمة الآثار "جوانا فارشاخ "في كتابها التطهير الثقافي "العراق سينتهي قريبا بلا تاريخ"، مستندة على منهجية الاحتلالين الأمريكي والبريطاني للعراق في سحب آثار المنطقة إلى متاحف الغرب، وكذلك السماح للجماعات المتشددة في تدمير ما تبقى من الآثار المعمارية، وعلى هذا السياق الآثار اليمنية والسورية. ومع ذلك فإن آمالاً كبيرة تُعلَّق على نتائج مؤتمر إعمار العراق بأبعاده التنموية ونواياه الصادقة، كبلسم يضمد ولو جزءاً يسيراً من آلام الفقر والتشرد والمرض والجهل، واستعادة الحياة الكريمة الآمنة للأرض العراقية وللشعب العراقي النازح من المدن المتضررة، واستعادة كرامته وحريته وعودته إلى أرضه المحرّرة من داعش الإرهابية، وتعويضه عن الخسائر وتخفيف معاناته، اليوم إعمارالعراق انطلق من الكويت من أجل التنمية، ولكن يسبق الإعمار تطهير الأرض العراقية من الفساد وسوء الإدارة والتقسيم العرقي والطائفي، والذي أجمع عليه الكثير وتخوَّف منه الكثير كعوائق تقف في طريق التنمية والإعمار، ولكن يبقى الأمل، والذي نستشعر به أن يكون هذا المؤتمر هو الطريق لبداية مستقبل عراقيّ جديد، دعاماته الأمن والاستقرار والحريّة والعدالة والبناء، فأمن العراق من أمن المنطقة، فاليوم العراق وغداً اليمن وسوريا باإذن الله تعالى.