12 سبتمبر 2025

تسجيل

الاعتدال والملل

18 فبراير 2016

الاعتدال في كل أمر هو جوهر الحياة وسبب جمالها ولن تحلو وتزين لنا إلا بالاعتدال خاصة إذا علمنا أن هذه الحياة قائمة على متضادات الأمور، فكل منا يحب يكره ويطمئن ويخاف وهناك الغني والفقير والخير والشر والشقي والسعيد وكل ذلك يزيد وينقص من شخص لآخر على ميزان العقل والحكمة، فالحب بكل معانيه الجميلة ولحظاته الوردية ونشواته النفسية قد يكون مهلكا لصاحبه متى ما أفرط فيه وسببا في الشقاء.أليس الكثير منا يتحدث عن المال والشهرة على أنها سبب السعادة ونرى الأثرياء والمشاهير يغوصون في أحزانهم وكآبتهم وتكثر في مجتمعاتهم قصص الانتحار؟ألم نشاهد أمثلة حياة يرويها التاريخ لأشخاص أفرطوا في طموحاتهم وأمانيهم فكانت سببا لنهايتهم وجلبت لهم المآسي وخلفت كوارث ليس لأنفسهم فقط بل وللبشرية؟إن الملل الذي تشعر به هو مؤشر الإفراط ودليل لغياب الاعتدال وحينها عليك أن تراجع نفسك وحياتك وتزن عقلك لتعود لميزان الحياة الذي يحميك من الملل. والناجحون دائماً في أعمالهم تجدهم متجددون فهناك من يعمل ليل نهار ولكنه لا يحقق تقدماً وهناك من يعمل بقدر ويحقق الهدف فالحياة ساعة وساعة، قليل هنا وقليل هناك لا إفراط ولا تفريط.وهناك فرق بين أن تكون جاداً في أي أمر وبين أن تكون مفرطاً فيه، فالأول مطلوب والثاني مرفوض ولعل الكثير منا يسابق طموحه ويستعجل قدره وأيامه وهو الطريق الذي يؤدي للفشل في الكثير من الأمور.إن التأني وبذل الجهد والعمل بصدق وأمانة والتدرج شيئاً فشيئاً هو الطريق نحو المستقبل، ولنعود لقصص الأنبياء فهناك تأديب ومثال كيف يهيئ الله أنبياءه لمهماتهم فالتكليف لم يأتهم مرة واحدة بل كان متدرجاً مع أحداث وتجارب وخبرات منذ الصغر جعلتهم فيما بعد أنبياء يقودون الأمم.ولننظر ونتمعن ونفهم ما يقوله محمد صلى الله عليه وسلم عندما قال (سددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة والقصد القصد تبلغوا)، ففي هذه الكلمات منهاج عمل وحياة والحكيم من أدركها وفهمها وطبقها في حياته فالاقتصاد في العمل والعطاء في كل أمر هو طريق يسير جنباً إلى جنب مع التيسير والمبالغة والإفراط في العمل والعطاء سبيل للتعسير.ولعل اللبيب يعرف ويدرك أنه لا كمال في أي أمر مهما بلغت من الاجتهاد وأنا وأنت وغيرنا ليس مطلوبا منا تحقيق النجاح إذا ما علمنا بأن النجاح هو ثمرة لا تأتي إلا بالعمل، ولكن كلاً منا مطلوب منه أن يعمل قدر المستطاع وأن يسعى نحو النجاح.إن أول خطوة نحو محاربة الملل الذي يصيب حياتنا هو الاعتدال مهما كنت تملك ومهما أحببت ومهما حملت في نفسك من طموح، حتى عندما تحزن فالحزن يكون باعتدال لكيلا يصبح الحزن طريقاً للهلاك فالإفراط طريق نحو التفريط.