18 سبتمبر 2025
تسجيلإذا كانت الإبل قد أفردت بالتفكر في آيات الله في الكون وقدمت فيها حتى على معجزة خلق السماوات والأرض والجبال، أفلا تكون مدعاة للنظر والتفكر إذا انتقيت انتقاء دون غيرها من الرياضات من قِبَلِ القيادة الحكيمة في بلد هو ذاته خرج من رحم هجير جزيرة العرب "موطن الإبل" وإرثها المادي والحضاري العريق وطبيعة شعوبها التي تحاكي هبة الطبيعة صمودا وصبرا وعزيمةً واصرارا؟ أوليست الإبل هي التي جاء فيها الأثر بالقول: "الإبل عزّ لأهلها" ومن مدخل الإعجاز والعزّ طُرقَ بابُ العزّ.... لقد انطلقت قطر منذ أ يام قيادة وحكومة وشعبا من مواطنين ومقيمين لتحقيق هدفٍ سامٍ سعت القيادة الحكيمة لتجذيره في المجتمع كأول دولة تخطو هذه الخطى على صعيد رسمي فيما أقرته من جعل يوم الثلاثاء من الأسبوع الثاني من فبراير من كل عام "اليوم الرياضي للدولة" وفقا للقرار الأميري رقم 80 لسنة 2011 لزيادة الوعي بأهمية الرياضة ودورها في حياة الأفراد والمجتمعات. ولعل تكريس الاهتمام به في بيئة العمل والمدارس والبيت في قطر يؤكد على حفز الجميع على ان تكون الرياضة منهجا وأسلوبا للحياة لا يقيدها عمر او مرحلة او مكان او جنس او وظيفة خصوصا ان لها دورها في حفز دافعية المرء للعمل اليومي والوقاية من الأمراض الجسدية والنفسية.. وهذا مهم جدا في عصر امراض الحياة المدنية من سمنة وسكري وضغط وما سواها. ولأن الرياضة تتخذ طرقا شتّى وجدنا قطر — رجالها ونساءها — قد خرجت عن بكرة أبيها في كل مكان وفي كل زاوية وفي كل فن من فنونه حتى انطبق على تنوع مسارات ومسالك التريض فيها القول: ملأنا البر حتى ضاق عنا.. وماء البحر نملؤه سفينا ولم تكن قطر حاضرة البرّ والبحر مبنىً ومعنىً وبما تيسر من رياضات أو بما استحدث منها كنموذج عصري حالي أو مستقبلي تتوجه استضافة قطر لمونديال كأس العالم 2022، بل وجدنا التخطيط الأمثل لاستقطاب مختلف الاتجاهات في مختلف التوجهات، اتجاهٍ لم يضحِّ بالموروث، اتجاهٍ يتوجه بلا شك خروج القيادة في شكلين ونمطين لا يجهلهما لبييب هما عين رؤية قطر الواعدة: الحداثة والتطور والهوية والأصالة في كل معطيات الحياة... في مشهد من الرؤية: خرج سمو ولي العهد مشاركا في الرياضات الحديثة بالزي الرياضي الحديث، ونزل الساحات الرياضية العامة مرافقا الأيتام وذوي الحاجات الخاصة.. مجسدا المشاركة الحاكمية والشعبية في ذات الهدف وفي نظرة تحاكي الحاضر وترسم المستقبل الواعد لقطر.. فكانت رسالة.. وفي مشهد آخر فريد من الرؤية النافذة حقا جاءت رسالة اعمق: فقد خرج سمو الأمير وبزي أهل البادية في صحراء قطر الأبية ممتطيا الهجن العربية الأصيلة وللسنة الثانية على التوالي يرافقه عدد من أفراد الحكومة وأبناء الشعب في قيادة رفعت راية تطوير قطر اليوم خفاقة وهي في الوقت ذاته ترفع عصا قيادة الإبل رمزا يحيي روح التراث العربي الأصيل ورياضة الآباء والأجداد وتبث التمسك بالموروث لجيل تريده رياضيا رياديّا لا مستوردا، ونسخة فريدة لا مقلدة، جيل لا تريد منه التخلي عن مآثره خصوصا لما في تاريخ الإبل من مآثر يسطّرها لنا تاريخ العرب الذي عرف قول جرير: ألستم خير من ركب المطايا ** وأندى العالمين بطون راح كأمدح بيت قيل في عصر الإسلام.. أما شعراء الجاهلية فقد اغدقوا "الإبل" عشقا شعرا ووصفا في معلقاتهم وابلغ ما جاء فيها لدى طَرفةَ بن العَبْد، من جَمع صِفَات خَلْقِهَا وسُرْعَتها، فجاءَ بها بأَحسنِ كَلامٍ، وأَوضحِ تَشْبِيهٍ بقوله: وإِنّي لأُمْضِي الهَمَّ عند احْتِضارِه ** بعَوْجَاءَ مِرْقالٍ تَرُوحُ وتَغْتـدِي تلك هي "الإبل" العربية الأصيلة، فالعرب أهل الصحراء، وسر الإبل بالنسبة لهم كما جاء في تفسيرها في الآية القرآنية لأنها هي حياتهم وأموالهم ورواحلهم، ومنها عيشهم ولباسهم ونسج بيوتهم وهي حمالة أثقالهم، وقد خلقها الله خلقا عجيبا لتيسير حمل الأمتعة عليها وجعل في بطونها أمعاء تختزن الطعام والماء بحيث تصبر على العطش في السير في المفاوز مما يهلك فيما دونها فيه. والهجن الكريمة دابة وسلاح ووسيلة نقل وتنقل ورياضة وترويح، وما زالت تعد في بعض الدول وفي مناطق واسعة ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد وفوق كل ذلك هي موروث وتاريخ عريق ومناط إعجاز قرآني خاطب الخالق سبحانه به العرب من جملة ما اشتهروا به فكانت معجزة الإسلام اللغة "بالقرآن" التي واجهها مخضرمو فصحاء الصحراء من قريش بأنها "سحر مبين" وكان مناط التفكر "خَلْقُ الله" بأوثق الدواب صلة بأهل الصحراء وإعجازا بها بأسلوب استفهام استنكاري يفهمونه جلّ الفهم بقوله تعالي "أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت؟". ولمن يهْذي حول "قَطَر" ومآثر قيادتها الحكيمة وعن الإبل وتداول رياضتها وقيادتها في يوم جدير بالتفكر كهذا، نقول: لا يحتاج التاريخ من اهل التاريخ ذكرى غير اننا نقتدي هنا بمضمون قوله تعالى في شأن الإبل لمن لا يعلم سر القيادة والريادة بالإرث الأصيل... "فذكرْ إنّـما أنـت مـذكر" صدق الله العظيم.. الغاشية الآية — 21.