18 سبتمبر 2025
تسجيلقمة الألم والمأساة حين يصل الإنسان للدرجة التي يفقد فيها الحيلة من يده، فتظل خاوية إلا من أن يصفق كفا بكف ندما على ما فات. ما أصعب أن يجد الإنسان نفسه وقد انتهت به كل دروب الحياة التي عاشها ليصل إلى مرحلة إجبارية حيث لا يمكنه الإختيار سواها عندما تنقطع عنه كل خطوط العودة. و ما أصعب أن يتفانى الإنسان في زرع كل أراضيه، وحين يأتي أوان جني الثمار يجد الصقيع وقد أتى على كل حصاد العمر. لقد تألمت كثيرا وشعرت بغصة ثقيلة حين بكت إحدى السيدات التي تجاوز سنها الخامسة والخمسين بحرقة وألم وهي تشتكي زوجها الذي قضت معه سنوات عمر طويل كان هو فيه كل شيء في حياتها التي بدأتها معه طفلة لا تتجاوز السادسة عشرة، فعاشت معاناته وانكساراته وكل نجاحاته، واستندت به جدارا ظنته قويا، فقدمت له التنازلات وأفنت العمر في الحفاظ عليه، فغاصت فيه لأنها تريد أن تمنح نفسها الحياة الهانئة ولأنها لا تملك سوى أن تحبه وأن تكون معه، حين تركها وذهب ليبدأ حياة جديدة مع غيرها، لاغيا كل سنواته معها وراء ظهره، وحين جردها من كل ما وصل له معها، وذهب ليستمتع به لوحده مع أخرى، تاركها تستجدي منه بعض الفتات. فما أسوأ أن يمضي العمر ونكتشف أننا فقدنا أشياء لم يعد يسمح العمر باسترجاعها، حين تتسرب من أيدينا فنجد أنفسنا صفر اليدين مستسلمين لواقع مرير بلا حيلة، حين تكبر الشروخ في الجدار فلا يتبقى لنا في الحياة إلا أن نظل مستندين الى نفس الجدار العتيق المشروخ، إلا من محاولة ترميم تلك الشروخ بما تبقى لنا من حيلة ضعيفة نترقب خائفين من إنهيار من نحتمي به علينا. ومهما إختلفت وتعددت الظروف التي قد تصل بالإنسان لهذه المرحلة المؤلمة، إلا أن عليه أن يجنب نفسه بكل قوة من الوصول إلى هذه الدائرة المغلقة، فلا يستند أبدا إلى جدار من صنع غيره فيظل يجهل طريقة بنائه وأساسه ومتانته، بل عليه أن يصنع جداره بنفسه، فمن السهل أن يصهر الإنسان نفسه في غيره، لكنه من الصعب بعد ذلك أن يعود ينسلخ عنه. ومع سرد هذه السيدة لحكايتها المحزنة، وجدتني أقارن بينها وبين سيدة أخرى تشابهت ظروف حياتها بها، فقد إشتركتا معا في نفس القصة ونفس الآلام والمعاناة، لكنها اختلفت في النهاية فحينما وصلت تلك الأخرى لمرحلة الإحتماء بنفس الجدارالمشروخ كان لديها جدارها الخاص الذي بنته بنفسها وعادت رغم الآلام لتقف وتواجه الحياة بكل قوة وثقة، وتشق لنفسها طريقا جديدا من صنعها. لكن ما نقوله دائما إن الظروف وإن أوصلت أي إنسان لتلك النهاية والدرجة من اليأس، فلا بد وأن يقف متحديا باحثا بين الشروخ عن بصيص من أمل يعيش معه ويقويه لإيماننا بأنه "لا يأس مع الحياة ". ولا شك أننا اليوم في زمن ثورة العلم والثقافة المتاحة للجميع، يجب على كل إنسان فيه أن يبني لنفسه ومستقبله قاعدة ثابتة قوية يستطيع أن يقف عليها حين يحتاجها، فلا يقبل إلا بكل ما يحقق كيانه، فليس هناك من يأمن دورة الحياة، وإن كان يمتلك ثروة يعتقد بأنها لن تنضب فلا أمان ولا ضمان وكل شيء جائز. ويمكن القول إن سلاح العلم هو أفضل جدار يمكن أن يبنيه الإنسان لنفسه وينتفع به إن عاجلا أم آجلا، ويحقق به لحياته كل ما يأمله لغد أفضل. [email protected]