19 سبتمبر 2025
تسجيللأي مجتمع إنساني روح تسري بين أفراده، وعليها يقوم تطوره وبقاؤه، وروح المجتمع تتمثل في طبيعة العلاقات بين أفراده، الأمر الذي يجعل منه متمايزاً عن غيره. وعلى الرغم مما أصاب هذه الروح بشكل لافت للنظر فيما يتعلق بمجتمعنا القطري، ولم تعد كما كانت سابقاً، إلا أنه لا تزال أساسيات هذه الروح قائمة، والخوف كل الخوف من زوالها أو تلاشيها مع مرور الزمن بفعل سيطرة المال وتحوله من وسيلة إلى غاية تهدف إليها النفوس وتلهث وراءها الأفئدة، ولكن وقبل كل شيء ما هي مكونات روح المجتمع القطري؟. هي ببساطة الطيبة ولا أعني بها السذاجة بالطبع، التعاون والتكاتف في الملمات والمشاركة في الأفراح والتضحية والإيثار والكرم، هذه باختصار مكونات روح المجتمع القطري عبر الزمن، وهي ما حكمت وتحكم طبيعة العلاقات بين أفراده، ومع مرور المجتمع القطري كغيره من المجتمعات بمراحل التطور وانفتاحه على غيره من المجتمعات عبر العقود الماضية. ومنذ ظهور النفط وقيام الدولة واتجاه المجتمع من بساطة القبيلة إلى تعقيدات الدولة المدنية والتزاماتها وقوانينها إلا أن هذه الروح بقيت هي ذات المجتمع القطري، وهي كذلك ما يربط الحاضر بالماضي وشخوصه وأيامه وهي أشبه بالروح السارية عبر التاريخ بالرغم من تغير الأبدان واختلاف المسميات. الخوف الآن ليس من زوال هذه الروح ومكوناتها بقدر ما هو الخوف من تسليعها أو تشييئها أي تحويلها إلى شيء آخر مادي بفعل ما ذكرته سابقاً من سيطرة المادة وانتقالها من طور الوسيلة إلى كونها هدفا يسعى إليه كمرتكز أولي وأساسي وقبل كل شيء في هذه الحياة. وقد بدت بعض الظواهر الدالة على ذلك في حاضرنا المعيش فاستبدلت روح المجالس بأنفاس الأسهم والبورصة مثلا، فلم تعد المجالس أمكنة للحديث عن الأدب والتاريخ والنوادر والتقاء الأحبة بهدف اللقاء بقدر ما هي اليوم تدور حول البورصة وإحداثياتها، وانتقل الإيثار ليصبح احتكارا حتى ضمن العلاقة الإنسانية ذاتها. فلم يعد الحفاظ على القيام بالواجب كما كان عليه من قبل إلا بقدر أهمية صاحبه ومكانته وموقعه، ولم يعد ينظر للشخص بما يحمله من قيم وعلم بقدر ما له من تشابكات تجارية ومالية واقتصادية ولو كان ذلك مصحوباً بضحالة أخلاقية. وانتزع الصفاء النفسي ليحل محله النوايا المبيتة، فبالتالي اختفت أو تلاشت إلى حد كبير ظاهرة الصداقة الحميمة القائمة على تماثل طبيعة الأفراد كذلك، وجرى استبدالها بظاهرة صداقة المنفعة التي ما تلبث أن تنفك باختفاء المنفعة ذاتها. كل هذه الأمور تهدد "روح المجتمع القطري" وعلينا التذكر أن إنسان هذه الأرض عاش عليها قبل قيام الاقتصاد الحديث ومع شظف العيش وصعوبته إلا أنه استطاع أن ينشئ علاقة إنسانية في أسمى معانيها وتجلياتها ولم تمنعه صعوبة العيش وندرة الحاجة من الالتزام بإنسانيته وقيامه بالواجب وإيثار الغير ولو كان به خصاصة. هذا ولا شك أن التغييرات الجغرافية المكانية داخل المجتمع ستؤثر على طبيعة العلاقات الاجتماعية ولكن من المفروض ألا تؤثر على قيم المجتمع العليا التي من بين مكوناتها الأساسية الدين وما يحث عليه من تناصر وتعاضد وتكاتف ورحمة ووفاء. لا أطلب من الزمن العودة إلى الوراء ولكن أطلب من أهل هذا الزمن التنبه إلى أن العودة إلى الطبيعة الأولى التي خلقنا المولى عليها هي ديدن هذه الحياة ومآلها الأخير، فالعمل على الحفاظ على روح المجتمع مسؤولية الجميع، فروح المجتمع هي بقاؤه وهي مخزونه الإستراتيجي لأجياله القادمة. أما المادة والمال فلا مجتمع ولا جنسية لهما وبالأحرى لا دين لهما كذلك، إنهما وسيلة فقط وإن كان بريقهما يخطف الأبصار. [email protected]