23 سبتمبر 2025

تسجيل

حين تمتزج الإرادة بالفرح

17 ديسمبر 2017

غداً الثامن عشر من ديسمبر لليوم الوطني والذي يصادف ذكرى تأسيس دولة قطر على يد المؤسس الأول الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني رحمه الله، والذي تحول إلى مفهوم مجتمعي احتفالي سنوي، ينتظره الجميع للمشاركة، ويتم الاستعداد له من جميع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية والأفراد والمجتمع بكامله باختلاف صوره، كل يعبر حسب مفهومه الثقافي والفكري والاجتماعي عن المناسبة، وإن اختلفت في صورها إلا أن المفهوم الوطني الذي يحكمه الانتماء والولاء للوطن هما اللذان يدفعان الإنسان بالانصهار مع المناسبات الوطنية والانسياق في أجوائها مهما كانت الظروف. …. هذا العام لاشك أن الاحتفال باليوم الوطنّي له وجهٌ آخر، وإحساسٌ آخر، ورونقٌ آخر، ليس في طريقة التعبير وإن تشابه أغلبها، وأُلغي بعضها وإنما الاختلاف في الأجواء المؤلمة التي تُخيم على سماء قطر، والقلوب المثقلة بما حدث وما يحدث على الساحة الوطنية والعربية، فهنا وداخل الوطن حصار رباعي جائر فرض عليه بحقد وعداء من دول شقيقة، وما خلفه على مشاعر الإنسان القطري والمقيم من آلام وجروح خاصة فيما يتعلق بالمقاطعة الأُسَرية ومقاطعة بيت الله الحرام، وهناك بيت المقدس الجريح، ومواجهة المرابطين مع الصهيونية رجال وشباب وأطفال عزّل مقابل طائرات ودبابات وأسلحة مدمرة، وصمت عربي. وهرولة عربية وسقوط الضحايا من الشهداء، وتهويد القدس؛ وجميعنا مسئولون وبلا استثناء. …. ولكن بالرغم من ذلك فوطننا له حق علينا نفرح لفرحه، ونتألم لألمه، وبالإرادة والعزيمة سيتوّج الاحتفال، وسترفع الأعلام معلنة بدء انطلاقة الاحتفالات، فقيود الحصار وضعت سياجها جغرافيا بإغلاق الحدود باختلافها ولكنها لم تستطع غرس سياجها الجائر على القلوب والمشاعر، بل ازدادت حبًّا لوطنها وانتماءً وتمسكاً بأميرها، فهو يوم وطني ومناسبة وطنية، ومن خلالهما يبحث الإنسان عن منفذ للفرح ليتسلل منه وينسى همومه المثقلة، وعقله المشوش بمناقصات وتناقضات الحياة. وصراعاتها وإشكالياتها، فمن منّا لم يبحث عن الفرح! ومن منّا لم يشارك الوطن وأميره أفراحهما! فليس هناك قوة تمنع الإنسان من حبه لوطنه، والوقوف معه في أفراحه وآلامه!! وليس أدّل على رسولنا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم حين خرج من مكة مودعاً قال؛ "ما أطيبك من بلد، وأحبك إليّ ولولا أنّ قومي أخرجوني منك ما خرجت". …. ولكن التعبير عن مفهوم حب الوطن المكوّن الداخلي والغريزة الفطرية الإلهية التي غرست في الذات الإنسانية من بداية نشأتها لابد أن يتجاوز كل المظاهر الشكلية التي تشوه هذا المكنون الفطري وبالأخص في الأزمات المحنية التي يمّر بها المجتمع، فديننا الإسلامي يحذّر من التجاوز والتبذير اللذين يلغيان الصفة العقلية السامية التي تقوم على التفكر والتأمل والتقييم إلى الصفة الحيوانية العشوائية التقليدية، كنّا نعتقد ونحن مازلنا في دائرة الحصار الجائر بأن مظاهر الفرح المبالغ باليوم الوطنّي وغيره من المناسبات المجتمعية ستقلصها تلك المِحنة المؤلمة التي وُضعنا فيها بتقدير من الله، واختبار من الله، حتى لمسنا مع الأسف شركات ومؤسسات اتخذت الإسراف والتجاوز ديدنها بتوزيع هدايا تحمل ماركات عالمية "كيوتل نموذجاً"، وكنا نعتقد أن التقييم لأفعالنا وسلوكياتنا كأفراد ومجتمع هو الخطوة الأولى والمؤشر السليم لبناء شخصية سوّية تتفاعل مع أي مناسبة بما يدفعها نحو الأفضل بصدق وبلا إسراف، بميزان الإرادة والقوة والإنتاجية والانتماء، وكنا نعتقد بأن المواطن هو من يدرك أن الاحتفالات بالمناسبات المجتمعية والوطنية ما هي إلا سحابة صيف عابرة تحّددها فترة زمنية عابرة، وينتهي بريقها وزينتها، ولم يبق إلا آثارها وما يقدمه للوطن ولأبنائه من ثمرة ذات جودة عالية في جميع المجالات على المستوى التعليمي والصحي والاجتماعي والاقتصادي وغيرها، أو على المستوى السلوكي والأخلاقي والوظيفي، كرد جميل لهذا الوطن، الذي يحمل شعار كلمة سمو الأمير حفظه الله "أبشروا بالخير والعز" في تلك المناسبة الوطنية. والذي لم ينسَ ذكر شعبه والمقيمين في خطاباته في المحافل الوطنية والدولية، وما الفعاليات والأنشطة الإنتاجية التي تُعرض في "درب الساعي" أو تقدم عبر برامج القنوات الفضائية وعلى مستوى الأفراد والمؤسسات والوزارات إلا نموذجاً للإنتاجية والعمل من أجل الوطن وتسيير العملية التنموية في ظروف استثنائية. …. ولم يغب على الجميع ومع الحصار انطلقت كل المعاني التي تدعو إلى التماسك والوحدة والتحدي والإنتاجية، فالواقع خلال السبعة الشهور من الحصار أثبت ذلك، فعجلة التنمية شقت طريقها بقيادة سمو الأمير، وتحدي أبناء الوطن من الشباب لكسر سياج الحصار، يمثله المعرض السنوي "صنع في قطر" ويعتبر ثمرة إنتاجية من ثمرة التنمية الاقتصادية التي تسير في خطاها دولة قطر وبتحدي وسواعد شبابها، كما هو التماسك والوحدة بين الأمير والشعب القطري وباختلاف فصائله القبلية والأسرية، وليس أدل من ذلك إلغاء العرضات السنوية المقامة بمناسبة اليوم الوطني لكل قبيلة، التي كانت لا تسمن ولا تغني من جوع ولا تعبر عن حب الوطن ومشاعر الانتماء له بقدر ما كانت حلبة سباق لصور الإسراف والتشويه لأنها انحرفت عن مسارها الوطني واتخذت المسار الأخر من الإنفاق والتبذير وتعزيز القبلية، خاصة مع وجود مخصصات مالية مقررة بمبالغ باهظة، وحلت محلها عرضة وطنية واحدة مشتركة تمثل كل فرد وكل قبيلة وكل أسرة في المجتمع لينصب حب الوطن في بوتقة واحدة بلا تجزئة وتفرقة للتعبير عن فرحة مشتركة موحدة تجمعها عرضة "كتارا" والأخرى في منطقة "الريان". ليشملا الجميع باسم الوطن، فأسمى التبريكات لسمو الأمير تميم المجد، حفظه الله ووطننا من كل سوء وأدامه فخراً للجميع. [email protected]