29 أكتوبر 2025
تسجيلتغيير سلوك المستهلك والمنشآت الاقتصادية حاز عالم الاقتصاد الأميركي ريتشارد ثالر قبل أشهر على جائزة نوبل للاقتصاد لعمله الرائد في الاقتصاد السلوكي وسيكولوجيا اتخاذ القرار. ووفقاً لوكيبيديا، فإن الاقتصاد السلوكي يعنى بتحليل القرارات الاقتصادية والمالية التي يتخذها كل من الأفراد والمؤسسات التي تقوم بوظائف اقتصادية بما في ذلك المستهلكون، المقترضون والمستثمرون عن طريق دراسة العوامل الاجتماعية والفكرية. ويرى ريتشارد ثالر أن الافتراض بأن الأفراد يسلكون سلوكاً اقتصادياً رشيداً ليس بالأمر الصحيح دائماً. ولو كان الأمر كذلك، لتشابهت السلع، وتساوت أسعار السلع والخدمات المتشابهة. وقد تبين من الدراسات والمسوحات الاقتصادية المختلفة أن الأفراد لا يسلكون دوماً الطريق الصحيح الذي يخدمهم. لقد أثبت ريتشارد ثالر في كتبه وبحوثه المختلفة أن الإنسان قد يختار البديل الأسهل والأقرب إلى فهمه أو الذي لا يتطلب منه جهداً علماً أنه بديل مكلف. ولو عرضت على الناس بدائل للضمان الاجتماعي على سبيل المثال، بعضها صعب الفهم ولكنه مربح، وأخرى سهلة الفهم وإجراءاتها بسيطة ولكنها لا تعطي مردوداً جيداً، فالأرجح أن عدداً كبيراً من الناس سوف يختار الأسهل فهماً بالنسبة له. وعندما نسعى للربط بين الاقتصاد السلوكي وعملية الإصلاحات الاقتصادية الجارية حالياً في دول التعاون يمكن أن نلاحظ أولاً أن هنالك فجوة في لغة التخاطب بين الجهات الرسمية والناس تجعلهم يشككون في إجراءات الإصلاحات ويخشون منها لاعتقادهم إن حياتهم المعيشية هي المستهدف منها. ولكن هذه الظاهرة موجودة حتى في الدول المتقدمة. فكلما جاءت حكومة جديدة فائزة في الانتخابات ببرنامج يتضمن حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، يبدأ الناس وخاصة الأحزاب الخاسرة في الانتخابات بالتشكيك في هذه الإصلاحات. ولذلك فإن قيادات تلك الحكومات تحرص كثيراً على صياغة قراراتها بلغة مقبولة ومطمئنة لكي يصبح القبول بها أكثر يسراً. ولا شك إن أجندة الإصلاحات الاقتصادية الخليجية يجب أن تشتمل بالفعل على تغيير سلوك المستهلك وبعض المنشآت الاقتصادية كعامل رئيسي لنجاحها. فعلى سبيل المثال، عند الحديث عن ترشيد الإنفاق فأن الأنظار تتجه جميعها نحو الحكومات في حين أن المطلوب أيضاً المواطن الذي اعتاد على مدى سنوات كثيرة على الإنفاق الزائد ليس على السلع الضرورية فحسب بل وحتى السلع الكمالية أن يراجع سلوكه. كذلك الحال بالنسبة لأنماط استهلاك الكهرباء والماء والبنزين والمرافق العامة، فهي جميعاً بحاجة لمراجعة من قبل الأفراد والمنشآت. إن معظم الإصلاحات الاقتصادية التي تواجهها دول التعاون تنطوي على أبعاد سلوكية مغروسة في النزعة البشرية. لكن بذات الوقت فإن تغييرها بحاجة لخبراء في الاقتصاد السلوكي يتعاملون معها بحكمة وصبر ولغة تخاطب مفهومة ومحفزة لاتخاذ موقف إيجابي يضمن التجاوب معها ودعمها بدلاً من التشكيك في جدواها. ويضرب الخبير الاقتصادي الدكتور جواد العناني بعض الأمثلة هنا. فبدلاً من أن تقول إن على كل مواطن أن يقوم بتعبئة استمارة الضريبة السنوية، يمكن أن تقول إن المواطن الذي يقدم استمارة ضريبية سوف تقبل منه، أما الذي لا يقدم فسوف تقوم الدائرة بتقدير دخله نيابة عنه. وبدلاً من القول للأجهزة الحكومية أنها تعاني من البطالة المقنعة، فإن الحكومة تطلب من كل دائرة أن تعيد تنظيم نفسها لكي تقلل من عدد التواقيع المطلوبة على معاملة. وإن لم تفعل خلال شهرين، فسوف تقوم وزارة تطوير القطاع العام بعمل هذا الأمر نيابة عنها. وهناك الكثير من الأمثلة التي يمكن ذكرها والتي تعكس سلوك الأفراد والمنشآت والذي يؤثر مباشرة على مدى نجاح أي إصلاح اقتصادي.