12 سبتمبر 2025
تسجيلعندما قال أعظم الخلق وأشرفهم، نبينا عليه الصلاة والسلام مخاطبا وطنه مكة: والله إنك أحب أرض الله إلي، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت.. فتلك الكليمات الشريفات تعطينا معنى للإحساس بقيمة الوطن حتى ولو كان خيمة في وادٍ لا ينبت فيه الزرع، وتلك حكاية الآباء والأجداد الذين توطنوا بلادنا من بادية وحضر قبل أن يكون بين بلاد العرب أي أسلاك جغرافية شائكة، ولا حدود مرسومة في خيال الحكومات، فقد عشق السلف أرضهم التي هي وطنهم، أهل الصحراء يتفاخرون بها، وأهل الخضراء يتفاخرون بها، ويتغنون بجمالها، ويقرضون الشعر مدحا ووصفا وفخرا بها، وهذه طبيعة النفس البشرية، يسكنها الحنين إلى مكان الولادة والمنشأ والتربية والخطوات الأولى والعاشرة والألف حتى الأخيرة. يعيش هذه الأيام أشقاؤنا في قطر أفراحهم في ذكرى العيد الوطني، وهو مناسبة مهمة جدا بالنسبة للمواطنين على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم ومراكزهم ومناصبهم، فالشعور بالانتماء إلى هذه الأرض يعطي المواطن دافعا قويا للعمل من أجل إصلاحها، ورفع شأن وطنه، ودعم أركان دولته لتبقى في الصف الأول تنافس عالميا كما هو حال قطر في السنوات الأخيرة، ويحق لهم أن يفرحوا ويعيشوا أجواء تعطي أطفالهم الشعور بقضية هامة ستعيش معهم سنوات طويلة وهي الحفاظ على منجزاتهم الوطنية وتدفعهم للعطاء من أجل البقاء في ظل أمن واستقرار وحكم رشيد وهذا ما على أشقائنا أن يدركوه جيدا في ظل دولتهم. للأسف فإن أسوأ ما في طبع بعض المواطنين من شعوبنا، أنهم يقيسون مدى انتمائهم وحبهم لبلادهم بمدى حصولهم على مكتسبات وامتيازات، وهم يعلمون أن أعمارهم تجري مسرعة إلى حتفها، والأوطان تبقى تحت شمس هذه الحياة، والأولى والأجدر أن يؤدوا واجباتهم نحو بلادهم قبل أن يسألوا عن الحقوق والمكتسبات، وحتى من هم في مصاف الأغنياء وأهل المكتسبات السياسية منهم، يعودون إلى مناكفة ابتزازية بغية تحقيق مآرب تدخل في باب الترف السياسي، وآخر همومهم الإصلاح والوقوف مع الشعب. ولأن المناسبة قطرية، فليست شهادة مني ولكنها واقع حال لا يخفى على أحد، فقطر خلال عقدين مضيا حققت قفزات عظيمة في فضاء هذا العالم الشرس الذي لم تجد حتى أكبر الدول مساحة وكثافة سكانية قدرة على تحمل المنافسة للبقاء على خارطة العالم السياسية، بل هناك من غاب تماما دون أي أثر يذكر، فانكفأت دول على نفسها لتعمل بصمت، ولكن من الدول الأكثر تأثيرا وإيثارا، كانت هذه "الدوحة" البدوية الجذور، الحضارية الفروع، تسابق الزمن للوصول إلى عالميتها، حتى سجلت نقاطا مهمة في الساحة العربية والعالمية. إن مجرد قراءة سريعة في اقتصادات الدول، تفيدك بأن المواطن القطري من أكثر مواطني العالم دخلا، وتمتعا بالامتيازات التي يحصل عليها المواطن من الدولة، وهذا يجب أن يكون دافعا لدى الأشقاء للعمل على المزيد من الإنجازات في ظل مقياس الرفاه الاجتماعي، وأن يعوا تماما المسؤولية الكبيرة التي يتحملونها تجاه الحفاظ على منجزاتهم، في ظل فئات شعبية قامت بتدمير كل منجزات الدولة في العالم العربي بدافع الكراهية.. ومن باب أولى أن يتنافس الشباب لتحقيق إنجازات علمية وعملية تسجل لهذه الدولة الصغيرة حجما والكبيرة صيتا واسما. إن احتفال دولة قطر هذا العام بالعيد الوطني، هو احتفال مميز، وذلك بعد أن سجل النظام الحاكم سابقة لا تحدث في العالم العربي، حينما تولى سمو الأمير تميم بن حمد إمارة الدولة بكل طيب خاطر وفكر متقدم من قِبل والده، في ظل صراع ديكة السياسة والعسكر العرب على الاحتفاظ بمناصبهم التي ورثوها بالدم أو الاغتصاب السياسي، رغم كراهية الشعوب لهم، وقد أراقوا دما كثيرا ودمروا منجزات بلادهم كما هو الحال في سوريا ومصر وليبيا، حيث الفوضى والرعب والانهيار الاقتصادي والسياسي. ومن باب أولى أن نبارك للأشقاء جميعا في قطر الشقيقة، عيدهم الوطني، وإنجازاتهم العالمية وحجم تأثير هذا البلد في متغيرات السياسة والصراع العالمي، فقد كانت قطر على مدى السنوات الماضية جسر الدعم المفتوح للمظلومين والمقهورين من شعوب العرب، وهي في ظل الأمير الشاب ستكون أكثر انفتاحا على محيطها العربي الأصيل، لبناء عصر جديد نأمل أن يكون فيه العرب أكثر تحررا ومسؤولية ورفاهية.