29 أكتوبر 2025
تسجيلانظروا حولكم، هناك إلى الشرق البعيد، إلى دول آسيا الصناعية كيف تضخمت قوتها الصناعية والمالية والسياسية والعسكرية وازدادت رفاهية الشعوب، حتى أن الصين قدمت خدماتها للحكومة الفرنسية في المساعدة عقب تفجيرات باريس وهي التي كانت لوقت قريب في الخانة الحمراء لأكثر الدول خطرا على الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة، إنها القوة الاقتصادية والعسكرية التي تفرض احترامك على الجميع .أجيلوا النظر نحو الغرب الأقصى حيث أمريكا اللاتينية وعلى رأسها فنزويلا التي تشابه كثيرا من دول العالم الثالث والعالم العربي ، كيف تنعم تلك الدول بحالة مقبولة من الاستقرار السياسي بعد عصر طويل من الحروب، لم يعد هناك من يتهم أي من دولها بالإرهاب والخروج على قانون العالم الأبيض المتمدين، حتى إن كثيرا من دول تلك القارة ما زالت ديانتهم تعتمد على الخرافات والسحر، وما زالت المصدر الأول للمخدرات التي تغزو الأسواق الأمريكية والأوروبية ، ومع هذا فالجميع أخذ استراحة للعيش .وحدهم العرب الذين أصروا على أن يتفقوا على شيء واحد وهو ألا يتفقوا على أي شيء فيما يتعلق بوحدتهم ومصيرهم وتحديد ما يريدونه وما لا يريدون، حتى أصبحوا مشاعا لكل القوى الكبرى والصغرى لتنهش فيهم وتمتص دماءهم وتستخدمهم شماعة لتعليق كل سفالات العالم المتحضر على ظهورهم ، وهم أي العرب أي نحن ، وبكل بلاهتنا الذكية نتواطأ مع العالم على أنفسنا، لأننا نصنع من قيمنا وسياساتنا ومناهجنا وتربيتنا وقوتنا الإقتصادية عدوا لنا يستخدمه ذلك العالم القوي ضدنا في أي منعطف أو منحرف أو أزمة تعصف بهم، حتى أصبحت العروبة تهمة والإسلام شبهة والصلاة دافعا للجريمة .فجر السبت الماضي تسمرت أمام شاشة التلفاز الأمريكية والأوروبية حتى ساعة مبكرة من الصباح، لم يكن هناك فرق بينها ، كل المراسلين والمتحدثين كانوا يتحدثون أو يحومون حول هويات المشتبه بهم دون الإفصاح بشكل صريح، والكل يريد أن يقول أن المسلمين العرب هم من يقف خلف التفجيرات، وكثير منهم يذكر الأحداث الماضية لمسرح تاكلان الذي استهدف لأنه داعم لإسرائيل، والجميع حكم قبل الكشف عن هويات المنفذين بأنهم من أصحاب الملامح العربية والمعتقدات الإسلامية .إذا فالتهمة جاهزة فورا ليس لأن تنظيم داعش هدد صراحة دول التحالف وما أسماه بالدول الصليبية فحسب ، بل لأن المجتمعات الأوروبية والأمريكية مستعدة نفسيا لتقبل الرواية البوليسية عن الإجرام العربي والإسلامي، وهذا ما كان لو أن المسلمين هناك في الغرب وهنا في بلادنا تمكنوا من تحدي الفكر اليميني والمتطرف والقوى المعادية للإسلام فكريا وثبّتوا حق المسلمين هناك وغالبيتهم من المهاجرين في ممارسة شعائرهم الدينية بكل أريحية كما يفعل اليهود الذين يجرّم أي نقد ضدهم، لأن هناك كيان قوي يدافع عنهم هو إسرائيل ورؤساء حكوماتها لا ينكصون عن الدفاع عن اليهود في أوروبا ، والجماعات اليهودية وأنصارهم في الغرب يجمعون التبرعات للجيش الإسرائيلي دون أن يجرمّهم أحد .قبل أسبوعين انتقلت «جميلة بوحيرد» إلى الرفيق الأعلى وهي رمز النضال النسائي الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي الذي استمر94 عاما للجزائر التي دفعت أكثر من مليون شهيد تحت وطأة الهمجية الاستعمارية الفرنسية آنذاك، ولا تزال بوحيرد شاهدة على الجرائم الكبرى للعقلية الإستعمارية للدولة الفرنسية التي قاومتها بعنف ودفعت ثمنا غاليا حين سجنها الفرنسيون وعذبوها بالسياط والكهرباء والسجن والحكم بالإعدام الذي لم ينفذ، حتى تحررت الجزائر فخرجت مع بقية الأسرى من سجون باريس عام1962من هنا يجب على العرب أن يوحدوا خطابهم القومي والديني كي يتمكنوا من مواجهة الجماعات التكفيرية في عالمنا العربي، وبنفس الوقت مواجهة الفكر اليميني المتطرف الذي بدأ يتصاعد بقوة في أوروبا وخصوصا فرنسا وألمانيا، وألا يخجلوا من تذكير فرنسا بأحداث لم تمض عليها سوى خمسين عاما في الجزائر ، وهذا لا يعني أن الجريمة الكبرى التي ارتكبت بحق الأبرياء في باريس قبل أيام مبررة، بل هي ملعونة ملعون أبطالها، كما هو ملعون من يدعم الجيش الإسرائيلي من فرنسا حتى الولايات المتحدة وأي مورد آخر،وعليهم أن يتبنوا استراتيجية لتبييض صفحة العروبة والإسلام التي اختطفتها جماعات مارقة، كما بيضت فرنسا وانجلترا وروسيا تاريخهم الأسود بسياسات الحرية والديمقراطية الجديدة.