10 سبتمبر 2025

تسجيل

براغماتية غزة

17 أكتوبر 2023

يقال في السياسة إنه لا صديق دائم ولا عدو دائم، نكاية بالبراغماتية التي يتمتع بها الساسة في تحقيق أهدافهم أو الوصول لغاياتهم، وهي وإن كانت حقيقة واقعة مستخدمة في العلاقات السياسية بين الدول، إلا أنها على مستوى المواقف المرتبطة بالعدالة وحرية الرأي والدفاع عن حقوق الإنسان وحماية القانون كانت تستخدم من خلف الستار، أو باستثناء علني شديد جداً لما لها من تبعات على مستخدمها على مستوى دعم الناخبين لاحقا أو اهتزاز الصورة العامة للبراغماتي. ولعل من غير المستغرب أن تكون جنسية وليام جيمس الذي أنشأ المدرسة البراغماتية إلى جانب شارل ساندرز أمريكية، فهي اليوم أكبر دولة براغماتية في العالم، تصدر لنا كل فترة رئيسا بشكل مختلف، يصيب العالم بجهله ويرحل بتبعات كارثية على كل النظام العالمي. ما نشاهده اليوم في الحرب على غزه قمة قمم البراغماتية، والتي يمكن أن نطلق عليها لقب «براغماتية غزة»، فلا حياء سياسي ولا حياء شعبي ولا حياء دولي، حيث يظهر الساسة في الغرب متناقضين في كلامهم بـ ٣٦٠ درجة بين ما كانوا يقولونه قبل وقت قريب عن حرب أوكرانيا وبين ما يصرحون به في حرب الاعتداء على غزة، سواء على مستوى الرؤساء أو البرلمانيين أو الوزراء أو الساسة الباحثين عن ناخبين لدور مستقبلي. ميكافيلية المشهد الحالي تجبر الكثير من الناس على أن يطرحوا أسئلة حول ما كان الغرب النموذجي الذي كان دائما الأيقونة التي تضرب بها مثل العدالة والمساواة والحرية لا يزال على نفس المثل، أم أن تغير الساسة والزمان وسيارة اللوبي الصهيوني جعلت الكرة الأرضية كلها تقريبا عالما ثالثا. نحن أمام أسئلة وجودية سيطرحها الناس لاحقا حول حفاظهم على المبادئ الذي ظل الغرب يصدرها طوال عقود مضت، أم الكفر بها واعتناق الغاية التي تبرر الوسيلة. التناقض السياسي الذي يصدر حاليا رغم اختلافنا معه، إلا أنه يجب أن يكون درعا نستخدمه مستقبلا ضد كل إعلام غربي يهاجم وطننا العربي، وكل رئيس غربي أو مبعوث دولي وقح يظن أن العالم يسير بطريقة ما أريكم إلا ما أرى، وكل مطلب أممي لدفعنا لفعل ما يخالف مبادئنا وعقيدتنا. نحن أمام واقع مذهل يجعل دولا مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا تصدر قوانين قمعية أشبه بحكومات عسكرية انقلابية تصدر قوانين طوارئ، فكل دولة تفننت في إصدار القوانين التي ترفض دعم أي شخص لحماس أو غزة حتى لو كان برفع علم فلسطين والمطالبة بحماية المدنيين، وهي تصرفات لا تقوم بها إلا أعرق الديكتاتوريات الظالمة، بل إن المسؤولين في هذه الدول لا يخجلون من الخروج بتصريحات عنيفة لا إنسانية في سبيل براغماتية لا أخلاقية. إنها فرصة تاريخية لكل العالم وهو يرى الغرب وخاصة بريطانيا وفرنسا وألمانيا وأمريكا وهم يضعون حبل المشنقة للعدالة والحرية والإنسانية والكرامة بأيديهم، فرصة لمنعهم من التنظير مستقبلا لتصدير كل قيمهم الجديدة الشاذة ووضع حد لسهام نقدهم اللامنتهي، وفرصة لكل الديكتاتوريات في العالم «للأسف» ليقولوا لهم «نحن مثلكم»!. من المهم أن نذكر أن وليام جيمس مات بسبب «قصور في القلب» وهو نفس المرض المصاب به أغلب ساسة الولايات المتحدة وأوروبا حالياً.. لكنهم لا يزالون على قيد «الدناءة».