11 سبتمبر 2025
تسجيلابني في المرحلة الثانوية، وقد لاحظت أنه يعيش حالة من الشرود وعدم التركيز، فاقتربت منه وسألته: ولدي الحبيب، هل هناك شيء يقلقك؟ فقال: أبي، عندي ملاحظات على سلوكيات بعض أصدقائي، وقد نصحت لهم أكثر من مرة ولكن استجابتهم ضعيفة، لكن المشكلة الكبرى بالنسبة لي أنني أخاف في لحظة من اللحظات أن أضعف وأجرّ إلى ما يقومون به، فكلما تحدثت معهم قالوا لي: ألا ترى أن معظم الصف يفعلون ذلك إلا أنت؟ انظر حولك وسترى ذلك واضحا، أنت شخص غير طبيعي، إنك شاب لا تعيش الحياة كما ينبغي.ابتسمت وقلت لابني: أتَفَهّم ما تشعر به، وأستشعر هذه الضغوط التي تعانيها، لكن الحل في قصة نهر الجنون، فقال لي: وما تلك القصة يا أبي؟ فقلت له: يحكي أن طاعون الجنون نزل في نهر يسري في مدينة، فصار الناس كلما شرب منهم أحد من النهر أصابه الجنون، وكان المجانين يجتمعون ويتحدثون بلغة لا يفهمها العقلاء، واجه الملك الطاعون وحارب الجنون، وفي صباح يوم استيقظ الملك وإذا الملكة قد جُنت، وصارت الملكة تشتكي من جنون الملك! وعندها قال الملك:يا وزير، الملكة جُنت، أين كان الحرس؟ ردّ الوزير: قد جُن الحرس يا مولاي، فقال الملك: إذن اطلب الطبيب فورا.الوزير: قد جُن الطبيب يا مولاي. الملك: ما هذا المصاب ؟! من بقي في هذه المدينة لم يجن؟ رد الوزير: للأسف يا مولاي لم يبقَ في هذه المدينة لم يُجَنّ سوى أنت وأنا، فقال الملك: يا الله، أأحكم مدينة من المجانين! فرد الوزير: عذرا يا مولاي، فإن المجانين يدعون أنهم هم العقلاء، ولا يوجد في هذه المدينة مجنون سوى أنت وأنا!، فرد الملك منفعلا: ما هذا الهراء؟ هم من شرب من النهر وبالتالي هم من أصابهم الجنون! الوزير: الحقيقة يا مولاي إنهم يقولون إنهم شربوا من النهر لكي يتجنبوا الجنون، لذا فإننا مجنونان لأننا لم نشرب، ما نحن يا مولاي إلا حبتا رمل الآن، هم الأغلبية، هم من يملكون الحق والعدل والفضيلة! هم الآن من يضعون الحد الفاصل بين العقل والجنون! هنا قال الملك: يا وزير أغدق علي بكأس من نهر الجنون، فإن الجنون أن تظل عاقلا في دنيا المجانين. انتهت القصة يا ولدي، وبالتأكيد يكون الخيار صعبا عندما تنفرد بقناعة صواب تختلف عن كل قناعات الآخرين، عندما يكون سقف طموحك مرتفعا جدا عن الواقع المحيط، سيأتيك أحدهم قائلا: معقولة فلان وفلان كلهم على خطأ وأنت وحدك الصواب! ويسخر منك الآخر: لماذا ترهق نفسك في المذاكرة، أتريد أن تكون عالما؟ فهذان وغيرهما يعرضون عليك أن تشرب من النهر، فهل ستسلم أمرك لهم؟ هل ستخضع للواقع وتؤمن بفكرهم؟ هل سيتوقف طموحك وتضعف أحلامك؟ إجابة تلك الأسئلة هي قرارك أنت، ولكني على ثقة أنك ستكمل طريق الخير، معتمدا على إيمانك القوي بالله، وإرادتك الفتية، وصحبة الصالحين، وقيم الحق التي نشأت عليها.