11 سبتمبر 2025
تسجيليجب أن تبقى قضيتنا الأولى، همنا الأول، خبزنا اليومي، وجزءا من ميراثنا لأبنائنا بينما تتدفق علينا الأخبار من كل حدب وصوب، وبينما نعيش في دوامة التكنولوجيا والأخبار السياسية والبرامج الترفيهية والبطولات الرياضية، من منا يتذكر فلسطين ؟!. من منا حرص في يوم من الأيام على مشاهدة نشرات الأخبار مع أبنائه وشرح قضيتنا الأولى لهم، من منا أخذهم للمكتبة وأهداهم كتباً عنها وصوراً لها، من منا غرس فيهم حب الدفاع عنها والبذل من أجلها والإيمان بأنها أرضنا العربية ومسجدنا الأقصى وقبلتنا الأولى وقدسنا التي ستبقى. لقد تغيرت فلسطين في جدول اهتمامنا اليومي، تماماً كما تغيرت لغة الخطابة الإعلامية في عالمنا العربي، لقد كان العدو الصهيوني المحتل وكنا نربي أبناءنا على كره اليهود المحتلين، ثم أصبح العدو الصهيوني فتحولت التربية لكره الصهاينة، ثم أصبح الصهاينة المحتلين وانتفت صفة العدو مع توالي الهزائم العربية وأصبح الكره موجهاً للصهاينة المحتلين، ثم أصبح جيش الاحتلال الإسرائيلي فأصبحنا نكره الإسرائيليين المحتلين، حتى جاء زمن الخيانات والخذلان فأصبحوا الإسرائيلين، فما عاد هناك كره ولا حتى توعية بماهية هؤلاء المحتلين، غاب ذلك عن إعلامنا العربي وكتبنا وندواتنا وسياستنا. ومنذ عام 1995 وقطر تحمل هم القضية، وتتحمل كل الضغوط الدولية الناتجة عنها، فتشد الحبل بقوة عندما يتخلى الجميع عن الإخوة في فلسطين، وترخي الحبل متى ما كانت أحكام السياسة تتطلب المد والجزر من أجل الإخوة في فلسطين أيضاً، وفي كلتا الحالتين كان الهم واحدا والهدف واحدا والفعل متفقا عليه. لقد وصلنا في قطر إلى مرحلة لا نعادي فيها الكيان الصهيوني، ولا من والاه ويدعمه من الغرب المدفوع من اللوبيات الصهيونية في كل مكان، بل أصبحنا نواجه إخوة وأشقاء في العروبة، في الهم والدم، يريدون كسر شوكتنا من أجل علاقة "رومانسية" مع كيان غاصب محتل وسيبقى كذلك. سياسياً لازالت قطر تلعب دور اللاعب الرئيسي للقضية في الوطن العربي، والعماد الذي تستند إليه كل الأطراف كلما تأزمت الأمور، ولازالت قطر تتحمل مسؤولياتها والضغوط الدولية، وهي مصدر إلهام لشعبها الذي يواصل بالتوازي مع قيادته رحلة الكفاح. ومن أحدث ما تم مؤخراً دفعة المساعدات المستمرة والتي لم تتوقف رغم كل الظروف وحتى تحت الحصار، لكن ما لفت نظري أيضاً مبادرة مؤسسة صلتك التي اعتمدت على ثلاثين شاباً لجمع تبرعات لمساعدة 30 ألف لاجئ، في استمرار لجهود العديد من الشباب المتواصلة في مساعدة اللاجئين والمناطق المنكوبة في شتى بقاع الأرض. إن هذه المؤسسات والمبادرات التي ولدت من رحم إيمان القيادة القطرية منذ عهد سمو الأمير الوالد حفظه الله ودعم صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر كانت ولاتزال لها الأثر الإنساني الأكبر في قلوب وعقول المستفيدين منها، ومبادرة صلتك تحمل من الابتكار والدافعية في التنافس ما يجعلها نموذجاً تشجيعياً جميلاً لشبابنا في بذل الخير عن طريق تشجيع الناس إليه، وتوجيههم له، وتوعية الأجيال بها عبر وسائل الإعلام المختلفة وحساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي. إن هذا التضافر الشعبي يجب أن يكون منهجاً لا يظهر في المناسبات ولا يكون حضوره دورياً متقطعاً، بل يجب أن يحظى بمساندة المؤسسات قبل الأفراد، والمساندة ليست بالضرورة أن تكون مادية، فما أجمل ما تقدمه قناة الريان وتلفزيون قطر وإذاعة قطر من فتح ساعات البث لتغطية مثل هذه المبادرات ودعمها لتحقيق أهدافها بشكل مجاني، وعلى نفس المنوال يمكن للعديد من المؤسسات أن تقدم المثل وأكثر لتحظى المبادرات القطرية بما يمكنها من تحقيق الهدف الرئيسي، دون النظر في المكاسب الإعلامية التي يمكن أن تحققها كل جهة داعمة. أذكر أننا درسنا في المدرسة قصائد للمتنبي، لكننا اليوم بحاجة لأن يكون محمود درويش حاضرا في كتب أطفالنا، محمود درويش الذي عرف الوطن، وفلسطين بقوله: ما هو الوطن؟ هو الشوق إلى الموت من أجل أن تعيد الحق والأرض. ليس الوطن أرضاً. ولكنه الأرض والحق معاً، الحق معك، والأرض معهم. يتلقى اليوم أطفالنا في المدارس العربية جميع المعارف، لكن قصة فلسطين، غائبة بالحجم الذي تستحقه، نحتاج لأنشطة لا صفية، نحتاج لبرامج تدريبية لمحاضرات عامة لتوعية شاملة لكل الجيل الذي لا يعرف أين تقع فلسطين، ولماذا هي تحت الاحتلال، فأنا أخشى أننا في المستقبل قد نواجه شباباً يعرفون غزة والضفة ولا يعرفون فلسطين، كما أننا اليوم نواجه كباراً لا يعرفون الفرق بين القدس ومسجد قبة الصخرة. يجب أن نحارب فكرة تحويل قضيتنا الأولى إلى قضية سياسية بحتة، قضية مملة تتكرر أخبار الدم فيها بشكل مستمر وتتراجع أهميتها في نشراتنا الإخبارية العربية، يجب أن تعاد شعبية القضية في الوعي الجمعي العربي، وأن يبدأ الدفاع عنها من أصغر طفل لأكبر مسؤول. في الوقت الذي يعتبر شبابنا العربي جيفارا أيقونة الثورة من أجل الدفاع عن الأرض، فإننا يجب أن نحيي في قلوب أطفالنا ذكرى أحمد ياسين، الشيخ المقعد الذي قدم لأرضه ما فاق كثيرا من الثوار في التاريخ، وختم ما قدمه بروحه الزكية. نحمد الله أننا في بلاد تدافع عن إخوتنا في فلسطين، وعلينا كشعب ألا نتردد بكل قول وفعل في الدفاع عنها، والذود عن أرضها وأهلها، وتسخير كل طاقتنا من أجلها، فلا أحد يعلم أين تتجه المنطقة في ظل التهور السياسي المحيط بنا، فقد نجد أنفسنا يوماً محاصرين من أشقائنا العرب لأننا ندعم فلسطين، وأننا نسبب الأذى "لشقيقتهم إسرائيل". يجب أن تبقى قضيتنا الأولى، همنا الأول، خبزنا اليومي، وجزءا من ميراثنا لأبنائنا، يجب أن تكون حلمنا الكبير، حتى لو كان أحلام محمود درويش أيضا الصغرى: أن نصحو من النوم معافين من الخيبة.. لم نحلم بأشياء عصية! نحن أحياء وباقون، وللحلم بقية. [email protected]