12 سبتمبر 2025

تسجيل

الحوار السوداني و"قفة الملاح"

17 أكتوبر 2016

تواثق أهل الحكم بالسودان، على أن علاج علله التي أثقلت أكتافه، وأوجعت إنسانه، وأعاقت عجلات التنمية المستدامة فيه، لن تعالج دون الجلوس لمائدة الحوار، وتوافقوا منذ عام ٢٠١٤ على أن خَيارهم التحاور والتشاور بقوة المنطق بدلاً عن قوة السلاح، التي لن تأتي الا بالدمار والتشرد والفاقة والمرض.. لا يختلف اثنان على أن التحاور هو اللغة الأنموذج؛ أياً كان الفرقاء والمختلفون، إن كان ذلك سياسيا او قبليا، وبين الدول والجماعات وحتى الأفراد.. إن جلوس الناس حول المائدة المستديرة وتداول امرهم بينهم، واستخلاص افكارهم، ستكون منتجاتُه ـ ان وجدت طريقها للتنفيذ، وأسكنت أرض الواقع ـ علاماتِ تميز في المزاج السياسي والاقتصادي والثقافي، وتدفق الماء في عروق التوافق المجتمعي، ورتق النسيج الذي كاد أن يتفتق من كثرة الانشقاقات والاختلافات والشعور بالضيم.. فإن كانت الحرب آفة جلجلت كل الثوابت، وخلخلت ضرورات الحياة، وادخلت المواطن العادي في ضيق تفاصيل تعليمه وصحته وأبجديات معيشته، فإن البديل الأمثل هو الحوار الرصين الهادئ، الذي يستخرج اجمل مكنونات الانسان وإبداعاته وخبراته. وهذا ما جعل المواطنين السودانيين أياً كان موقفهم وموقعهم، يتراصصوا ترقبا لتوقيع وثيقة الحوار الوطني، التي طبخت بتلك الموائد والقاعات التي شارك فيها الكثيرون بنفس القدر، شكك فيها آخرون ووقفوا على مسافات متفاوتة منها، وهو نتاج طبيعي لانعدام الثقة وللمكايدات والانشقاقات الحزبية، للدرجة التي حار معها دليل المواطن الأغبش البسيط، الذي لا يطمح إلا في رزق عياله وصحتهم وتعليمهم.. وبرغم هذا وذاك فقد حرست سفينة الحوار وسلمت وثيقتها نهار الإثنين ١٠ أكتوبر للريس البشير، بحضور رؤساء مصر وموريتانيا وتشاد والرئيس اليوغندي موسفيني وممثلي دول إقليمية ودولية، لتخوض مسارات التنفيذ بقسم غليظ، من رئيس الجمهورية؛ بأن الوثيقة ستجد طريقها للتنفيذ وستشكل علامة تاريخية فارعة في تاريخ السودان.. إن تنفيذ مخرجات الحوار الوطني السوداني في يومنا هذا ما هي ضرورة سياسية "وطق حنك" فأي قراءة لخريطة الغليان، الذي يشهده العالم حولنا، أو لتجارب السودان وما خاضه من حروب لابد ان يقف لمراجعة النفس واستخلاص العبر.. والتقدم خطوات لتقليل ظل الاختلافات، لأجل سودان يسع الجميع، ولأجل مواطن أغبش؛ ضرب الضرر بعظمه، وانتقصت قفة ملاحه، وتدهورت صحته، وتدحرجت مخرجات تعليمه، وبات يتشبث بأي قشة قد تنقذه مما هو فيه.. إذن إنزال مخرجات الحوار الوطني بمصداقية، وأمانة بنفس الزخم الذي نسجت بنوده، ووقعت أحرفه ضرورة حياة لسودان لابد ان يكون، ولمواطن لابد ان يعيش. همسة: "لا تطفئوا هذه الشمعة!! انفخوا فيها لتضيء الظلمة"‏.