27 سبتمبر 2025
تسجيللا أظن أن النظام الإيراني وحليفه حزب الله في لبنان في موقف يحسدان عليه إثر قرارهما الاستراتيجي بدعم نظام الأسد والوقوف ضد ثورة الشعب السوري وإمعانهما في مواصلة وزيادة هذا الدعم، فشعبتيهما السابقة في أوساط الجماهير انقلبت إلى كراهية لهما على نطاق واسع، والتوتر زاد في كل علاقات طهران الدبلوماسية مع جيرانها في الإطارين العربي والإقليمي، وفي العلاقات الحزبية لحزب الله مع الفرقاء السياسيين على الساحة اللبنانية، بسبب تأثير تصرفاته على الوضع الداخلي من جهة وعلى علاقات لبنان بدول الجوار. كان بإمكان النظام الإيراني وحزب الله أن يقفا مع الشعب السوري في محنته ويكسبا الشارع العربي في ربيع ثوراته، كما كسباه من قبل في ادعائهما للمقاومة والممانعة والوقوف إلى جانبها، ولكن شاء الله أن تفضح الثورة السورية المواقف المستترة، فكيف يستقيم من أصحاب الثورات، ومدعي الوقوف إلى جانب المظلومين، الوقوف إلى جانب القتلة الدمويين، والظالمين ضد الضحايا، بل ودعم النظام الأسدي بالمال والعتاد والقوى البشرية.لقد اضطر النظام الإيراني للاعتراف أخيرا بوجود عناصر من الحرس الثوري بسوريا وإن كان قد حصر مهمهتم بالاستشارات، وقام حزب الله خلال هذا الشهر علنا بتشييع عدد من مقاتليه الذين زعم إنهم "قضوا أثناء تأديتهم واجبهم الجهادي"، في حين قالت مصادر أمنية لبنانية إنهم قتلوا في سوريا، واكتفى حسن نصر الله بالقول إن عددا من مقاتليه قتلوا خلال دفاعهم عن مناطق متداخلة يقطنها لبنانيون على الحدود مع سوريا.ـ أهم ما خسره النظام الإيراني بسبب مواقفه من الثورة السورية: ـ انكشاف زيف ادعاءاته السابقة على مستوى الشارع السوري والشارعين العربي والإسلامي كنصير للمقاومة والثورات العربية والوقوف ضد طغيان المستبدين ومساندة مظلوميه المستضعفين، وذلك بعد أن وضعت على المحك، وانقلاب التأييد والشعبية الكبيرة له لدى الشعب السوري والشعوب العربية والإسلامية إلى كراهية ونقد شديدين. ـ تدهور علاقتها بعدد من دول المنطقة وفي مقدمتها تركيا والمملكة العربية السعودية وبعض الدول الخليجية الأخرى، وعدم التوافق بين مواقفها والغالبية العظمى الدول العربية والإسلامية بخصوص الأزمة السورية. ـ شعور بالعزلة عن محيطها العربي والإقليمي، حيث وجدت إيران نفسها معزولة بشكل مفاجئ لم تعهده في التاريخ الحديث، دون أن يكون لديها خيارات أخرى بديلة، بحسب مراقبين، وقد استنتجت الباحثة في مركز فرايد للدراسات الإستراتيجية وأستاذة البحث في جامعة جورج واشنطن مارلين لوريل أنه على ضوء عدم ضمان مستقبل الأوضاع في الشرق الأوسط "فقد يمم النظام الإيراني وجهه شطر الشرق الأقصى ويحاول خلق استقرار على حدوده الشرقية مع كل من أفغانستان وآسيا الوسطى، وتعزيز الروابط الاقتصادية مع الصين رغم اضمحلال الأمل في انضمام إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون بسبب معارضة كل من الصين وروسيا".ـ أما ما خسره حزب الله فهو لا يقل عما لحق بوليّة نعمته إيران، فالإضافة إلى تحول الشعبية الكبيرة التي كان يتمتع بها شعبيا إلى النقيض كراهية ومقتا، بعد أن وضعت ادعاءاته الماضية على المحك العملي حاليا ثمة خسائر أخرى لعل أهمها: ـ ازدياد توتر علاقاته بالفرقاء اللبنانيين الذين يرون في دعمه المتواصل لنظام الأسد، ومدّه بالمقاتلين من حزبه من شأنه إشعال فتيل جديد للصراع الداخلي في لبنان الذي سبق أن اقتتل فرقاؤه بين أعوام 1975 و1990، ووضع لبنان ومكوناته في "عين العاصفة"، وقد يقوده ذلك إلى مزيد من الانقسام والتشرذم كما يرى زعماء سياسيون ومحللون لبنانيون. ـ محاولة زجّ الشيعة بلبنان في حرب لاناقة لهم فيها ولا جمل، إرضاء لإيران وحليفها النظام الأسدي، بكل ما يحمله ذلك من فرز طائفي مقيت، ونفخ النار في فتنة لا مصلحة لأحد باشتعالها، وربط مستقبل الحزب بمصير النظام الأسدي، الآيل للسقوط.وفي هذا الصدد طالب النائب السابق محمد عبد الحميد بيضون المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بأن "يلعب دوره لأن السياسة التي يتبعها "حزب الله" في سوريا تأخذنا إلى حرب مذهبية، ليس فقط على مستوى سوريا، بل على مستوى المنطقة، وهنا يتوجب على المجلس الشيعي أن يقف بقوة لمنع ذلك، وتوجيه رسالة واضحة لـ"حزب الله". حتى لو بقي الأسد، فسيكون ضعيفا هو ونظامه، وهو ما سيؤثر على الأحلاف الإيرانية في المنطقة والنفوذ الإقليمي له. من الخطأ تفضيل مكاسب تكتيكية مؤقتة على حساب المصالح الإستراتجية الأساسية وهو ما وقع به النظام الإيراني وحزب الله.. ربحا الأسد وخسرا أشياء كثيرة، وفي مقدمتها سمعتهما السابقة لدى العرب والمسلمين، وعلاقتهما الوطيدة بشعوب المنطقة.