15 سبتمبر 2025
تسجيل4- حتّمت أحداثُ رواية ( فرج.. قصة الحب والعبودية) للفنان محمد علي عبدالله أن تكون لغة السرد بسيطة ومُركزة، إلى درجة كبيرة، حيث غاب عنها البديع اللغوي، والمُحسنات اللفظية إلى درجة كبيرة، حيث حتمت تلك الأحداث أن تكون اللغة مباشرة لا تعقيد فيها، رغم حالات محدودة احتاجت للوصف البديعي. كما أحسن المؤلف مراجعة النص، ولم تظهر إلا مواقع محددة تستلزم بعضها التشكيل ، كي يُحسن القارئ قراءة المدلول المعني. 5- ولأن الكاتب ، ليس غضاً ، وقد غاص في التراث والفن التشكيلي لاكثر من أربعين عامًا ، وجدته مُمسكًا بتلابيب حبكته، بحيث لا ترتخي، في الوقت الذي حرص فيه على القفز – بين الأمكنة – مع شخصياته ، دونما تطويل، او إسهاب. فجاءت فصول الرواية قافزة، وثائرة، ومتحدّية للقوالب التقليدية المعروفة. 6- ولقد أحسنَ الكاتب استخدام القيم الدينية ، ولربما قصدَ ذلك، لإجراء المفاضلات والمقاربات في تصرفات شخصياته. إذ رغم أن (فرج) عبدٌ أسود، ويعمل في أحط الأعمال ، وأن شكله مخيف لضخامته ، بل وسرت عنه حكايا بأنه يخاوي الجن، نظرًا لقوته المعروفة، إلا أنه رقيق القلب، يلجأ إلى الله في كل صغيرة وكبيرة، يؤدي الصلاة، ويرفض أي ظلم يقع على أي إنسان، ويهب لمساعدته، في الوقت الذي أبرز فيه المؤلف نقيض ذلك في السلطة الإدارية ( القوة) والسلطة الدينية ( القاضي)، بشكل خالف ما يجب أن يكون عليه الحال، فكان (الشيخ ضرار) وجماعته يمارسون العنف ضد الآمنين ويتكبرون على الناس، ومن ثم يتحالف (الشيخ ضرار) مع (الشيخ شاهين) (السلطة الدينية) ، حيث استغل وضعه الاجتماعي ليمارس ممارسات خالفت قيم الدين وسماحته. وهذا إسقاط واضح على أوضاع عربية معروفة. 7- أراد الكاتب أن يُبعد روايته عن أرضية الواقع ، ليس فقط عبر تسميته للأماكن، بل حتى في المسافات فيما بينها. ولقد استخدم – في البداية – كلمة محيطات، عندما تم جلب ( فرج) من تنزانيا، نحو مسقط، ولربما قصد المحيط الهندي، ولكنه يعود ويذكر (الهيرات) في الخليج، ونحن نعرف أن مياه الخليج العربي يكثر فيها المحار الذي يحتوي اللؤلؤ. كما أنه أشعرنا بأن (ظويلم) تقع في الخليج، حيث انطلق منها (فرج) هاربًا نحو (عنيزة) التي تقع في شبه الجزيرة العربية، والتي تبعد عن (ظويلم) مسيرة عشرة أيام، إلا أنه قصدَ التمويه أكثر عندما جعل جزيرة (جذام) وبلده (هدام) أهل الشر، تقع على مسيرة عشرة أيام من (ظويلم). وتلك حتميات كان لا بد منها لتأكيد عملية الرمز. وأخيرًا ، فإن (فرج) العبد، لم يكن إلا (كماندا) ابن الرئيس سامبا، وهذا ما نقشه (فرج) على صخرة بعد أن تم اصطياده من قبل صائدي العبيد: "مرَّ من هنا (كماندا ابن الرئيس سامبا)، ولم ينل الاحترام والتقديس الذي يتوجب تقديمهما له. واجبي في كل الحالات أن أكون متسامحًا وعطوفًا وعازمًا على تقديم كل ما يحتاجه الناس من (كماندا)، نقشها بيده في 29 فبراير 1756". وتلك إشارة كافية ليُعرّفنا المؤلف بزمن حدوث الرواية ، دون أن يذكر ذلك مباشرة في النص. في نهاية مأساة (فرج) ، تمرض حبيبته (عويشه) في سجن القلعة، وتُنقل إلى الجزء الجنوبي من السجن وهو مكان الذين لا يُرجى شفاؤهم. يزورها (فرج) في مشهد دراماتيكي، وينسحب من مكان الموت ، وهنا لا يفوت المؤلف أن يُعرج بالأحداث على الشيخ الضرير عند باب المسجد ، حيث يقول: "هكذا (ظويلم) يا (فرج)، الأحياء ليسوا إلا طابورًا من الأموات لم يحن رحيلهم، لا قيمة لحيّ". وهذا تصريح عميق عن حالة الأسى التي تعيشها (ظويلم) ومئات المدن العربية. وفي استسلام للقدر، وبعد أن سلمت (عويشه ) الروح، يجلس (فرج) عند رأسها قائلًا: " يا الله جاءتك (عويشه) من ضيق الدنيا والبشر، إلى سعة مُلكك ورحمتك، فأكرمها يا رب". لم تنته أحزان (فرج) برحيل (عويشه)، بل يُفاجأ بغدر (أبي ضرار) والشيخ (شاهين) بأن يعود (فرج) إلى مُلك الأول، رغم أن (فرج) يمتلك (بروة) – صكّ حريته- من سيدته (أوار بنت حابس)، فيهرب (فرج) على ظهر إحدى السفن نحو زنجبار، وينال حريته. رواية سعدتُ بقراءتها، وأُهنّئ الكاتب الصديق محمد علي عبدالله عليها.