16 سبتمبر 2025

تسجيل

صنعاء

17 أغسطس 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); كان قَدرُ صنعاء أن تتحمل تبعات ثقلها ومكانتها ودورها المركزي خلال الأعوام الخمسة المنصرمة، حيثُ مثلت المركز الأكثر احتداما وتفجرًا لكونها الحاضن الأكبر للقوى والنخب الفاعلة بتعدد اتجاهاتها وهو ما جعل حالة التدافع على أشدها، فتحولت إلى ساحات صراع واشتباك واحتراب، وهو ما أحدث الكثير من الدمار والخراب والجراح العميقة الغائرة في جسد المدينة وروحها. إن أسوأ ما تفعله الصراعات والحروب بالمدائن هو استهداف جوهرها، وقتل روحها، ونسف طاقة الحب فيها، وخنق ذائقتها الجمالية تحت دخان الحرائق وضرب كل بواعث الأمن والسكينة وإغراقها في بحر الفوضى والدمامة وتحويلها إلى مسرح دائم للرعب والشرور والنقمة. غير أن صنعاء رغم كل شيء تحمل أبدًا في أعماقها الكثير مما يعين على تجاوز شروخ الزمن. صنعاء بعراقتها وأصالتها ورمزيتها التاريخية وأسرارها قادرة على مدنا بمخزون هائل من الطاقة لإحداث فرق كبير على صعيد الجوهر والمظهر. من المهم استنفار روح التحدي والإصرار على الحياة في قلب صنعاء المكان والإنسان وإعادة صنع حالة من اليقظة الملهمة من خلال استنطاق ذاكرة المدينة التي قاومت الأزمنة وعبرت كل الصراعات والحروب دون أن تتصدع أو تندثر ودون أن تفقد جمالها الخاص، ظلت عصية على الزوال، تنكسر على صدرها الحوادث والخطوب وهي واقفة متحدية، حاضنة عشق وجمال، مدينة جامعة ترى فيها اليمن صورتها البهية. من المهم الشروع في كنس الأدواء والشرور التي أخذت تتراكم في الأعماق، والقيام بحملات وطنية جادة وصادقة لترميم تصدعات العقل والوجدان ومعالجة ما لحق بالضمير من التشوهات، ثمة رمزيات جامعة لصنعاء يجب استدعاؤها في هذه المهمة الجليلة، نملك مخزونًا هائلًا من الروح والحكمة والحب وكل ما يكفي لنواجه كل مظاهر العنف والسلاح والانفلاتات التي تسمم الحياة وتفسد فضاء المدينة، نحتاج وعلى نحو ملح إعادة بناء وتشييد ما تخرب من الحس الجمالي الخاص والعام، والدفع بكل ما تنطوي عليه المدينة من مخزون الصحة والعافية والرهافة والحب والوداعة والسلام وكل ما لها من قوى دافعة هادية ومربية لصنع انتباهة فارقة وحالة جديدة مجاوزة يستجيب فيها السلوك لبواعث الروح ويتلازم فيها التغيير ما بين الداخل والخارج. نحتاج بلورة خطاب إعلامي وثقافي واجتماعي يؤسس لوعي جديد وحس مشترك يؤكد على مسؤولية الجميع في التحرير والتغيير والبناء والعمل من أجل ترسيخ القيم والسلوكيات المدنية والحضارية، وحشد المثقفين والصحفيين والأدباء والكتاب والإعلاميين والفنانين والسياسيين والأندية الرياضية ومنظمات المجتمع المدني لأداء دور فاعل في هذا الاتجاه. من المهم التأكيد على "أنسنة" المدينة واستدعاء كل رمزياتها الدينية والثقافية والأدبية والفنية والتاريخية والحضارية ومواريثها الإنسانية الجامعة، وبناء علاقة إيجابية متينة دافئة وحميمة بين المواطنين ومدينتهم يتأكد فيها الارتباط ويتعمق الشعور بالمسؤولية المشتركة في الحفاظ على العاصمة معصومة من كل الشرور، آمنة، ومستقرة، ومتعايشة، ومتآلفة، ونظيفة، وخالية من التشوهات ومظاهر العنف والفوضى والجريمة والسلوكيات الخاطئة. في العدد 158 من مجلة "تراث" الصادرة عن الإمارات استوقفني معجب الزهراني الكاتب والأديب السعودي الشهير في "جماليات" يكتب عن صنعاء أخرى يحبها بشغف وافتتان. صنعاء أخرى لا يراها كثيرون ممن أفسدت الألفة علاقتهم بالمكان. لقد نال الحوثيون من صنعاء أكثر مما نال الزمن. وعمل صالح على تحويلها إلى مخازن سلاح ومعسكرات خانقة عبر عنها أحد الشعراء بقوله "وفي القلب ما يشبه الثكنات وخلف الضلوع معسكر". وهي الآن تتطلع برعب إلى خلاص لا يكلفها ما تبقى من الحياة. وعلى أسوارها تتردد أبيات شاعر اليمن الكبير عبد الله البردوني : أصنعاء لكن متى تأنفين يقولون قد كنت يوما منيفهة متى منك تمضين عجلى إليك ترين اخضرار الحياة الوريفة أمن قلب أغنية من دموع ستأتين.. أم من حنايا قذيفة؟