11 سبتمبر 2025
تسجيلالماء العذب أفضل شراب فلنحرص على شكر هذه النعمة بما تستحقه ثمة طرائق كثيرة لشكر النعم نغفل عنها..ويكاد لا يتعدى واجب الشكر لدينا في الغالب الأعم سوى أقوال أو أدعية تلهج بها الألسن عندما يصيبنا خير وفضل من الخالق الكريم الرحيم. وهو أمر لا نقلل من شأنه ولكن هل هذا كاف، وماذا عن طرائق الشكر الأخرى؟! لماذا نهملها أو نتعامى عنها. إن أهمية القيم ـ ومنها قيمة الشكر ـ التي يعمل المربون على غرسها منذ الصغر تتمثل في انعكاس مضامينها إلى سلوكيات عملية ينعكس نفعها على صاحبها وعلى الناس والبيئة المحيطة به، وإلا فالشكر لن يتجاوز مربع اللفظ وتزداد الحروف مرة بعد أخرى. اسمحوا لي أن أعود إلى الماء مثنى وثلاث ورباع.. وإخواننا في الصومال وفي القرن الإفريقي لا يزالون يعانون من آثار المجاعة التي تسبب بها الجفاف والقحط فأهلكت ـ وما تزال ـ الحرث والنسل نتيجة انحباس المطر الموسمي.. ترى هل يكفي المرء أن يحمد الله على ما أنعمه عليه بلسانه ويكتفي بذلك أم أن المطلوب أكثر من ذلك بكثير. التفكر بهذه النعمة وشكرها يقتضي منا ونحن ما زلنا نتابع تفاصيل تداعيات كارثة القرن الإفريقي عبر شاشات الفضائيات وهي تسلط الضوء على سقوط الضحايا من البشر والدواب، وحركة النزوح الطويلة والكبيرة هربا من الموت ـ أن نتفكر بحال كثير يموتون يوميا عبر العالم بسبب عدم توفر الماء أو بسبب توفر ماء غير صالح للشرب، بكل ما يتبعه من أمراض وأوبئة، وأن نفعل شيئا لوقف هذه الكارثة أو التخفيف منها ومن مخرجاتها المرعبة، وأن نعمد إلى ترشيد الإنفاق والاستهلاك في الماء لأننا مستأمنون على هذه النعمة العظيمة. في هذا المجال لا بد من توجيه شكر خاص لقطر الخيرية التي ألهمت كاتب السطور هذا المقال من خلال جهودها التي تصب في هذا الاتجاه، على المستوى القيمي وترجمته من خلال فعل وإنجاز عملي.. فهي تطرح الأرقام التي تبرز بطريقة علمية وإحصائية حجم المشكلة.. معاناة من حرموا من نعمة الماء.. ومقدار النعمة التي أنعم الله على آخرين لوجودها بوفرة وكفاية، ثم تركز على المدخل القيمي الذي يستمد من تراثنا الشرعي، ثم تربطه بمشاريع متميزة يمكن أن يسهم بها الإنسان عمليا لشكر النعمة، يتم تسويقها وطرحها بين يدي الأخوة كل حسب إمكاناته وقدراته. لقد خصصت قطر الخيرية لنعمة الماء ثلاث حلقات متتالية في برنامج "تراويح" الإذاعي التي تعده وترعاه عبر أثير إذاعة القرآن الكريم ـ الدوحة، وفيه فقرات للصغار والكبار، لكل منهم ما يناسبه من مواد وفقرات كالقصص ونماذج القدوة والأسوة، والشيء نفسه تفعله في خيمتها الرمضانية "البراحة"، فتعزف على نفس الوتر ضمن فقرات "فكّر بغيرك" وعبر وسائل وتقنيات راقية ومنها فيلم وثائقي خصصته لهذا الغرض. في مجال الإحصاءات المرتبطة بالماء تذكّرنا بأن: 30.000 طفل ماتوا بسبب المجاعة الناتجة عن الجفاف خلال الشهور الثلاثة الماضية في الصومال، ويموت 4000 طفل يوميا بسبب أزمة الصحة العامة المرتبطة بالمياه عبر العالم، كما يموت 2.5 مليون من البشر سنويا بسبب المياه الملوثة، وبينما يستخدم إنسان العالم النامي 10 ليترات من الماء يوميا لأجل الشرب والغسيل والطبخ يستخدم الأوروبي لنفس الغرض 200 ليتر، والأمريكي 400 ليتر. وتذكّرنا أيضا كيف أن نعمة الماء التي يختبرنا الله بها فيما يبتلي آخرين بفقدها أو الحرمان منها بما لا يكفي حاجتهم يستوجب منا أن نفكر بآلام الآخرين عطشا وجوعا ونزوحا ليكون بمثابة الشكر الإيجابي لله.. وأن نعمل من أجل الإسهام في وقف تداعيات الكوارث والنكبات المرتبطة بها.. تذكرنا بالتأسي بنماذج مثل عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي اشترى بئر رومية للمسلمين من ماله عندما رأى حاجتهم إليه وقد كان يملكه يهودي يحرمهم منه، وزبيدة زوجة هارون الرشيد التي حفرت عيونا وآبارا لسقي الحجيج والمسافرين إلى مكة لمجرد أنها لمست المعاناة الشديدة للسالكين في هذا الخط من بغداد إلى بيت الله الحرام، وتذكّر الأطفال بقصة الشخص الذي سقى كلبا عطشانا فشكر الله فعله وأدخله الجنة. أما المشروع الذي يحضّ الناس على التبرع فهو نوعي وتكمن أهميته في أنه الوسيلة التي تستخرج بها الماء من جوف الأرض، والتي شكل غيابها جزءا مهما من الأزمة الراهنة في القرن الإفريقي، ألا وهو " حفار آبار ارتوازية " وبحسب المعلومات المتوفرة بشأنه فإن: عمره الافتراضي حوالي 30 سنة ويحفر من عمق 350 مترا إلى 450 مترا، وبطاقة تتراوح من 50 إلى 100 بئر في السنة، حسب عمق الآبار.. ثمة فرصة للمحسنين المقتدرين لتمويله كاملا وثمة فرصة لغيرهم للإسهام بقيمة سهم فيه، والتفكير بمثل هذا المشروع الاستراتيجي ربما يكون أكثر جدوى ونفعا وتأثيرا من حفر بئر هنا وهناك مع تأكيد أهمية أي جهد ومساهمة لتخفيف وطأة القحط وعدم التقليل من أثره. الماء العذب أفضل شراب، وأعظم صدقة، فلنحرص على شكر هذه النعمة بما تستحقه، لأن بوجودها تكون الحياة وبانحباسها وغيابها تموت الحياة.