17 سبتمبر 2025
تسجيلكلما احتقن الوضع السياسي كانت الجيوب معرضة للعواصف قدر لي قبل بضع سنوات أن أتجه إلى الطبيب وكنت أعاني من احتقان في الأنف وتراكم الإفرازات مما يسهم في ضيق التنفس من جهة والصداع الشديد من جهة أخرى، ومن طبيب نشيط إلى آخر أشد بأساً منه ومن مضاد حيوي إلى آخر وكلها تفضي إلى نتيجة إيجابية ولكنها مؤقتة، أي سرعان ما يعود الأنف للتمرد، طالما أمن ضربات المضاد الحيوي الموجعة، ومن المعلوم أن الإفراط في استخدام المضاد الحيوي له أضرار وخيمة، واستمرت الحالة على هذا المنوال (شيل وحط) مع الجيوب، حتى طلب الطبيب إجراء أشعة مقطعية واتضح وبشكل قطعي حتمية التدخل الجراحي، فتم ذلك وقرر الطبيب إجراء العملية علما بأنه قال لي وتحت إصراري على معرفة مدى نجاح العملية بألا أتوقع الكثير أي أنه قدر نسبة النجاح وترك نسبة أخرى نظرا لحساسية هذه العمليات، من جهتي كنت متفهماً الوضع لأني قرأت كثيراً عن الجيوب الأنفية فضلا عن التجارب التي مرت ببعض الزملاء ممن عملوا مثل هذه العمليات. حزمت أمري وتوكَّلت على الحي الذي لا يموت فدخلت المستشفى ومن يد (نشيط) إلى يد (نشيطة) من الممرضات وفنيي المختبرات والأشعة عموماً أجريت العملية، وأفقت من البنج وجاء الطبيب وسحب القطن الذي تجاوز نصف متر وعيوني طايرة وكأني أمثل في سيرك والأمر المؤسف أن برنامج المواهب لم يكن يعرض في ذلك الوقت وإلا لكان لي نصيب، وبهذه المناسبة فإن مشاعر الأطباء عند مواجهتهم لبعض الصعاب أو الحظ السيئ أنهم يـتألمون من عدم تحقيق طموحهم ومن واقع إخلاصهم لعملهم وحبهم لمهنتهم ورغبتهم القصوى في راحة المريض، ولكن تكون الاستجابة للرغبة على غير ما يتمنى الطبيب الذي يبذل ما في وسعه، وكنت أقيس النجاح من عدمه برؤية موضوعية فحالتي لم تستجب للمبضع وهذا حتماً لا يبرر الأخطاء الطبية الناتجة عن القصور والإهمال وكل حالة تختلف عن الأخرى لاسيَّما في هذه العمليات الحساسة وحققت العملية نسبة مقدرة من النجاح، وأحمد الله وأشكر فضله ومن بعده الطبيب الذي ربما وازى حزنه الألم الذي أتكبده إزاء هذا الأمر، على أية حال خففت العملية كثيرا من الاحتقان الذي كان يلازمني ولكي أساير هذا الوضع فإني أخضعت نفسي للتكيف مع الحالة لا الخوف منها أو القفز عليها وزج الإسقاطات على الطبيب وفريقه، فطالما ولله الحمد تحققت نسبة معينة من النجاح فإن الروح المعنوية قادرة على رفع هذه النسبة بمزيد من التفاؤل والتعاطي مع حسن الظن كمعيارٍ يشي بالتقدير لهؤلاء الأطباء والطبيبات الذين يشعرون بالألم بقدر شعور المريض في مثل هذه الحالات عدا أن التكيف المعنوي فرس الرهان في تحقيق الهدف، وفي الأيام الأولى وعند المراجعة الأسبوعية (عينك ما تشوف النور) فإذا خرجت من العيادة كأني خارج من معركة حامية الوطيس، وما إن هدأت حالة الاحتقان في الجيوب الأنفية إلى حد ما، حتى بدأ الاحتقان يضرب أطنابه بجيوب الملابس، وبما أن لكل حالة ملابساتها ولباسها فإن ملابسات التهاب جيوب الملابس ومعاناتها مع فيروس الغلاء كان أشد وطأة، والأشعة المقطعية للغلاء تترجم الأسباب بشكل يتوافق مع الرؤية الاقتصادية في هذا المضمار، فكلما احتقن الوضع السياسي عطفا على التصريحات المختلفة وتحليلات الاقتصاديين لهذا الأمر كانت الجيوب معرضة للعواصف التي يتم التنبؤ بحدوثها، فتهرع شركات التأمين إلى مضاعفة الأسعار والبنوك ترفع نسبة الفائدة عطفاً وفقا للاستنتاجات التي يتم استنباطها من المحللين، ليضعوا (العصاية) وهو الغلاء قبل الفلقة وقد لا يكون هناك فلقة ولا يحزنون، ونرزح نحن كمستهلكين تحت وطأة تقدير المخاطر، وهو مصطلح اقتصادي استباقي لتغطية الخسائر المحتملة من هذه الفرضية أو تلك، وإذا سألت شركات التأمين ركلوا الكرة إلى ملعب البنوك وفوائدها والتي هي الأخرى تبالغ في مخاوفها، وهكذا تئن جيوبنا من الاحتقانات التي تتراكم في ضوء تنظيرات محللي شركات التأمين والبنوك والتي تجني الأرباح ولا تسهم في قراءة الواقع برؤية متزنة، فطالما أن الوضع لا يستوجب الاتكاء على المبررات الاستباقية، فلماذا تقدر الشركات البلاء قبل وقوعه؟ ولماذا ندفع نحن ثمن رؤية محلل اقتصادي أو سياسي طبقا لافتراضات ينسجها الخيال لتعطي التاجر مبررا لرفع الأسعار، ولماذا ترفع شركات التأمين الأسعار وهي بالأصل تضع نسبة مقدرة لحالة المخاطر؟، وقياسا على الأشعة المقطعية التي عملت على الغلاء وبروز المتسبب بهذا الالتهاب بشكل جلي، فإن المطلوب التدخل الجراحي الذي لا مناص عنه في هذه الحالة وهو تكاتف الحكومات والضغط على شركات التأمين والبنوك بعدم المبالغة ورفع الأسعار ونسب الفوائد لأسباب لا تمت إلى الموضوعية بصلة، فشركات التأمين ترفع السعر على المورد أو المُصنع وهو بدوره يرفع السعر على التاجر وهكذا دواليك مفضياً هذا الأمر إلى اختلال في التوازن، بيد أنه من غير المقبول نسبة الارتفاع تلك فإذا كانت شركات التأمين ستؤمن خسائرها المحتملة فإن النسبة يجب أن تكون موضوعية فرحمة بالناس أوقفوا نيران غلاء الأسعار، واكبحوا جماح هذه المبالغات لعل عملية الجيوب هذه المرة يكتب لها النجاح ولله الأمر من قبل ومن بعد.