17 سبتمبر 2025
تسجيلفي كل رمضان، تنشط شركات الإنتاج التلفزيوني لإنتاج برامج تغري المحطات الفضائية بكسب أكبر مساحة من الإعلان. وبالتالي زيادة أرباح تلك الفضائيات. ويُلاحظ أن برامج الإثارة، ونعني بها تلك التي تخالف المألوف، وتخرج على العادة، ولا تسكت عن المسكوت عنه اجتماعية، وتلك التي تضع الإنسان في مواضع الترويع والهلع والحط من قدره، وتلك التي يظهر فيها جوانب من الحياة العامة ليس مكانها الشاشة! أو التي تستغل عاهات البعض، كي تمرر مواقف عليها بقصد الإضحاك أو التعليق عليها من قبل المشاهدين، أو "استدرار" ردة الفعل.مثل هذه البرامج تتجاوز منظومات القيم المتعارف عليها في ثقافة التلفزيون، وتحاول استدرار البكاء أو العطف من أجل استدرار الفلوس!؟ ومثل هذه البرامج لا يجوز أن يُصرف عليها ما يُصرف، حتى وإن جاءت بالإعلان! فالفلوس لا يمكن أن تُقاس بلحظة معاناة إنسان أو إذلاله أو تحقيره أو ترويعه!؟ حتى وإن وافق في النهاية على بث المادة (عايزنا نذيع.. هنذيع) كما ورد في برامج الكاميرا الخفية سابقًا!الفن التلفزيوني مجال خصب لكل الأفكار، ولقد شاهدنا نسخًا من برامج الكاميرا الخفية من إنتاج غربي، يستحيل أن تتضمن ما يخدش كرامة الإنسان، أو الاقتراب من تحقيره أو التلذذ بإظهار عاهته أو إذلال الأطفال. فالإنسان كائن حساس ولقد جُبل على الخير والأمان والتسامح والإنسانية، وإن أي لقطة تتجاوز هذه القيم لا يمكن أن يتسامح معها الإنسان، حتى وإن كانت من أجل الإضحاك!؟ واليوم، ومع ازدياد ساعات مثل هذا الإنتاج (الغالي / الرخيص)، ومع تطور وسائل الاتصال، وتعدد خريجي جامعات وكليات الإعلام، لابد من البحث عن قوالب جديدة، غير مُستنسخة من أفكار أجنبية، وتقديمها للمشاهد العربي. ومما يجدر ذكره هنا أن نجاح برنامج في بيئة غربية أو أمريكية أو أسترالية، لا يعني نجاحه في البيئة العربية، نظرًا لاختلاف الثقافة والمفاهيم والدين والعادات والتقاليد.ونصل إلى مفهوم الإثارة! ما هي الإثارة؟في (مختار الصِحاح) أُرجعت الإثارة إلى فعل (ثارَ) مثل ثار الغبار، وبابه (ثورانًا)، وثوّر فلانٌ الشّر (تثويرًا)أي هيجه وأظهره. (مختار الصحاح، ص 81-89)وتأتي كلمة إثارة مرادفة لكلمات مثل:استفزاز، اضطراب، اندلاع، اهتياج، ثائر، تحريك، تشويق، تشويش، تهييج، ثوران، إغراء، تأليب، حضّ، حالة تهييج، انفعال. (موقع www.almaany.com)ويُلاحظ أن كل تلك الكلمات تأتي في سياق سلبي (Negative connotation) لوصف الحالات التي يمر بها الإنسان خلال ظهوره في أحد تلك البرامج المعنية بالإثارة. كما يُلاحظ أن معظم تلك الكلمات تأتي ضد رضا وراحة وطمأنينة الإنسان.فلماذا يتمادى منتجو هذه البرامج في غيّهم!؟ ويُمعنوا في إيذاء الآخرين وترويعهم، بل وإيذاء المشاهدين وترويعهم!؟هل كل فلوس الإعلان تساوي دمعة إنسان بريء، قد يتواجد صدفة في مكان تصوير البرنامج؟وهل كل فلوس الأرض تساوي مشهد ضرب طفل في مكان عام (حتى لو كان تمثيلًا) أمام الناس؟وهل كل فلوس الأرض تساوي ردة فعل التحريض التي قد تدفع إنسانًا عاقلًا ومتزنًا أن يضرب ويحاول الثأر لمشهد ظُلمِ إنسان مثله، وبذلك يرتفع ضغطه وصراخه ولربما استخدم يده، لوقف الظلم والأذى عن إنسان، ثم يأتي له المذيع باسمًا ليقول له: أنت معنا في برنامج....؟ ألم تتطور العقلية العربية بعد أكثر من 60 عامًا من ظهور التلفزيون في الأرض العربية؟ (بدأ البث التلفزيوني – أبيض وأسود- في العراق عام 1956).ألم يفكر مسؤولو التلفزيون العربي في برامج تصلح للذات العربية وهمومها، حتى لو كانت ترفيهية، دون استنساخ الأفكار الغربية والأمريكية!للأسف، تكرر سوء استخدام التكنولوجيا في العالم العربي لمدة ستين عامًا! ومنذ عشرة أعوام يتكرر سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بصورة خلاف استخدام جميع المجتمعات على كوكب الأرض.