18 سبتمبر 2025
تسجيلإن الإنسان هو الإنسان، قد يختلف في الريف عن المدينة ما بين الثقافة والتحضر ولكنه يبقى إنساناً، أما الاختلاف ففي الوسائل التي توصله إلى هدفه، أما غرائزه فهي في أصلها ثابت في مكانه قلما يصيبها تغيير.إن عرام الشهوات في باريس وهوليوود وبيجين في شرق الأرض وغربها هي نفسها في بقية بلاد العالم منذ عشرات القرون، فبعد أن كانت أسواق النخاسة عامرة استبدلت بالمواخير ومواطن البغاء مع التقدم العلمي، ومخازي الاستعمار لا تقل عن أمثالها مما سبق من الأكاسرة والأباطرة والفراعنة، وإن تغيرت الأسماء ورققت العناوين. وفي الحضارة المعاصرة وهي حضارة أسرفت على نفسها في إرواء الغرائز ويسرت لرعاع الناس من فنون الملذات ما لم تشهده مقامير أولئك الأقدمين، حتى شاعت موبقات بين الناس أتت على الأخضر واليابس من المكارم.والحضارة التي تضلنا قد سبقت سبقاً بعيداً في ميادين العلوم وتضاعفت أرباحها المادية في البر، والبحر، والجو، وهي بلا ريب واحة الصلة بالله ضعيفة الإعداد للقائه، وزهدها في الدين كل الدين، إن رجال الكهنوت من صناع هذه الحضارة غير جديرين بالاتباع، ثم جاء من ينسب إلى العلم من المسلمين، فكان صوتهم خافتا، وعرضهم للإسلام عرض أناس غير ثقات ولا من أهل الحزم والعزم والصدق، تركوا الحضارة لأهلها وانشغلوا في كثير مما لا يسمن ولا يغني، فانطلقت الحضارة – الغربية – وحدها تخدم الأجناس التي حملتها، بما فيها من غث وسمين، تخدم جشع أهل الأهواء ومحبي الكبر والاستعلاء في الأرض، لذلك ترى كثيراً من المتطاولين على عباد الله جمعوا ثرواتهم من سرقة أموال المستضعفين في الأرض الذين لا يملكون حيلة ولا يهتدون سبيلا.وقد استطاع الاستعمار بهذه الحضارة أن يبني مدناً كبيرة بعرق أولئك المستضعفين من الزنوج والأموال المغصوبة والمنهوبة من سكان إفريقيا وآسيا، ثم استقر به المقام واستراح من عناء السفر في عواصم مشيدة دون أن يعترفوا لله بحق ولا يذكرون الله بخير، إذا رأيت ناطحات السحاب وهذه المغاني الزاهرة العامرة ألا تتذكر قوله تعالى عز في علاه: (أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين).إن الأمراض البشرية متشابهة، إن الله استخلف عاداً في الأرض بعدما أهلك قوم نوح بالطوفان، فكانوا أشر خلف لأشر سلف، ولكن الغريب أن عدوى تلك الأمراض انتقلت من أمة إلى أمة ومن جيل إلى جيل ومن قوم إلى قوم، مع الاختلاف الجغرافي والزمني، فقوم هود سكنوا جنوب الجزيرة العربية، أما قوم نوح فكانوا شمالي الجزيرة في وادي الفرات ولم توجد في ذلك العصر وسائل الاتصال المتوفرة اليوم ومع ذلك سرى الداء من جنوب الجزيرة إلى شمالها في أرض الشام والعراق. ولكن القرآن يقول: (كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون، أتواصوا به بل هم قوم طاغون). وعلاج طغيان الطغاة ما جاء في القرآن الكريم على لسان نبي الله هود، حيث قال: (فاتقوا الله وأطيعون، واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون، إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم). ولكن الناس بدل من أن يسمعوا للناصحين ويسارعوا إلى فعل الخيرات إذا بهم يسارعون إلى الشر، ويتغلب عليهم نداء الشهوة، وحب العاجلة ولكن الله لمن سبق ولمن أتى ولمن سيأتي (بالمرصاد).(فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).فأخطاء الأمم الماضية تتكرر الآن في الحضارة التي تقود العالم وتفرض عليه أساليبها أو اعتنقها مختاراً في حياته، الظاهر أن رذائل الماضين والبطر والجحود والأثر انتقل إلى عالم اليوم مع ذهول عن الله وغفلة عن حقه على العباد وإخلاد إلى الأرض وعكوف على ملذاتها، هذا هو ما أعطته الحضارة أو ما أخذناه نحن، أما ديننا فقلما ما يتجاوز المظهر، صلاة لا تنهى عن فحشاء ولا منكر وصوم لا يتحجز عن قول زور وعملٍ به وحج مليء برفث وفسوق وجدال وعراك.إن هذا الإسلام أولاً وآخراً (خلق عظيم) وتوحيد لله، "كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك"، نعم (وهو معكم أينما كنتم)، (إنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور). (قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث)، لأنه لا يصح الصحيح في آخر كل جولة بين الخير والشر، (أما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)، فكن من دعاة الخير قبل أن تندم يوم لا ينفع الندم.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين