18 سبتمبر 2025
تسجيللا يمكن أخذ إجراءات السلطة الأمريكية التي حكمت العراق بواسطة "بريمر" بعد احتلالها على محمل حسن النوايا، فالقصة الحقيقية اكتشفها العالم متأخرا، وهي مؤامرة من فريق جورج بوش الابن للانتقام من شخص الرئيس العراقي السابق صدام حسين، الذي كانوا يلقبونه بـ "الدكتاتور العراقي"، ولعل أفضل شخص يمكن سؤاله اليوم عن نتائج حرب كونية وعمليات عسكرية وسياسية وزلزال تغييري ضد العراق هو جورج بوش وفريقه، خصوصا نائبه ديك تشيني، فهل ما قاموا به غيّر على أرض الواقع شيئا بعدما جيء بنوري المالكي رئيسا لحكومة العراق أخيرا، وأصبح حاكما مطلقا، وأفول نجم جلال طالباني كرئيس شكلي للدولة، وانكفاء الأكراد على مناطقهم والاكتفاء بنفطهم، أم أن ما أرادوه قد تحقق من تدمير للدولة العراقية الحديثة وإذلال وقتل لأبناء العراق من أهل السنة والشيعة العروبيين على يد قوات المالكي والميليشيات المملوءة حقدا تاريخيا رضعوه من أثداء أمهاتهم.الأمريكيون ليسوا أغبياء إلى الحد الذي نتوقعه، ولكنهم ليسوا بالذكاء المفرط الذي يمكنهم من أن يقنعوا العالم العربي بأنهم "إله الحب والخير"، فمن دعم وصول الكتلة الشيعية الراديكالية إلى سدة الحكم طيلة السنوات الماضية ابتداء من إبراهيم الجعفري ووزرائه الذين كان أحدهم إيرانيا ثم اختفى فجأة، حتى قدوم المالكي وسيطرته على العملية السياسية، من دعم هؤلاء ليس غبيا، فهو يعلم أن الحاكم المتطرف سيثور عليه الشعب، عاجلا أو آجلا، وهذا ما حدث في العراق. فالسيطرة المطلقة للدكتاتورية المالكية جعلت أغلب المكونات السكانية العراقية تنفر منه ومن سياساته الإقصائية، وفي أول فرصة للثورة ضد حكمه المسنود بأعمدة أمريكية وإيرانية رأينا كيف انهار جيشه الذي شكله من عصابات ومليشيات لا حظ لها من العقيدة العسكرية أو الوطنية، فزعيم المليشيا أنعم عليه المالكي برتبة لواء وعميد وعقيد، وشجاعته خانتهم في أول مواجهة حقيقية مع الثورة ضد الظلم وثبت أن المالكي وجيشه لا يختلفون عن تنظيم داعش، فهم لا يستحقون حكم العراق على أسس ديمقراطية محترمة وحكومة تتعامل مع كافة مكونات الشعب العراقي بسوية واحدة، ذلك أنهم لا يفهمون ذلك ولا يحبون تطبيقه، فقد عانت غالبية مدن العراق سوء الأحوال المعيشية والخدمية والأمنية، وستبقى كذلك ما دام المالكي في سدة حكمه الدكتاتوري المسكوت عنه. كان العرب أيضا يعرفون أن نظام المالكي ليس بالسوية التي يريدونها، فهو بدعم الأمريكان من جهة والاعتماد على التخطيط والتدريب والاستخبارات الإيرانية نصّب نفسه ديكتاتورا جديدا على العراق الذي أعاد بناء مؤسساته وأجهزته المدنية والعسكرية على أساس التقسيمات الطائفية والمحاصصة الزعامية المرتبطة بالمرجعيات المذهبية، وأفسح الطريق لخط إنتاج محدود لقيادات ضعيفة من العراقيين السنة لغايات الديكور التنوعي ممن ينضوون تحت جناحه وخدمة لمصالحهم، ولم يتوان عن الانقضاض على أنداده من السنة كما فعل بالسيد طارق الهاشمي مثلا، وهذا يعد فشلا ذريعا لسياسة واشنطن في التعاطي مع القضية العراقية التي تفجرت من جديد، ولا تزال إدارة الرئيس باراك أوباما تتعاطى بذات العقلية أو بحماس أقل مع الديكتاتور العراقي الصغير الذي لم يستطع أن يملأ مقعد رئاسة العراق الكبير. ولو نظرنا من جانب آخر لوجدنا الإعلام الغربي والعربي أداة في تسخيف القضية أيضا، فهو يسلط الضوء على الطرف الثانوي ويترك الطرف الأصلي وهو الشعب، فتنظيم ما يسمى بدولة الإسلام في العراق والشام "داعش" التي تتحرك في مناطق خارج سيطرة السلطة العسكرية النظامية في العراق وسوريا بات هو نجم الإعلام الذي يبحث عن الإثارة، فيما تعداد أفراده لا يساوي شيئا مع تعداد الجزء الكبير من الشعب العراقي الذي ذاق ويلات حكم الطوائف، ووجد الفرصة في الانخراط بثورة ضد ظلم حكم المالكي وأعوانه، فالمقاتلون على الأرض هناك يتشكلون من أبناء العشائر في الأنبار والآلاف من ضباط وأفراد الجيش العراقي السابق في صلاح الدين، وكوادر حزب البعث الذين واجهوا قانون الاجتثاث وجماعات تنظيمات إسلامية كردية كالنقشبندية في الموصل وجميع هؤلاء يتقدمهم مقاتلو داعش باتوا يشكلون خطرا حقيقيا على سلطة بغداد التي انكشفت عورتها.إن السكوت على المالكي ومحاولة إنقاذه بدعوى مكافحة الإرهاب ليبقى حاكما مطلقا لفترة ثالثة هو الخطر الأكبر على المحيط العربي والسلم في المنطقة، وخطره أكبر من خطر تنظيم داعش أو غيره، وترتكب الولايات المتحدة جريمة جديدة بدعم حكومة المالكي بصمتها على الشيزوفرينيا السياسية التي يعاني منها، وعليها أن تطلب من المالكي الرحيل لتشكيل حكومة وطنية ينخرط فيها جميع العراقيين لتعيد بناء العراق على أساس وطني سياسي، ليحس الشعب أنهم مواطنون يتلقون رعاية حكومتهم، لا مجرد أهداف بشرية تنتقم منهم سلطة بغداد وتدفعهم ثمن أحقاد التاريخ بلا ذنب لهم.