11 سبتمبر 2025
تسجيلبعد نشر مقالنا السابق عن أهمية الترجمة في تشكيل الوجدان الثقافي للأمم وأثرها الملموس كوسيلة لتقدم الأمم وكذا المشاكل التي تواجه الترجمة والمترجمين في عصرنا الحديث وصلتني عبر بريدي الاليكتروني عدة رسائل حول نفس الموضوع اختار بعضها للإجابة عليها في هذا المقال. السؤال الأول من القارئة خوله القطان من الكويت تقول أنه لا يختلف اثنان حول أهمية الترجمة من أي لغة إلى العربية حيث أنها تضيف إلى معرفة وثقافة الإنسان العربي ولكنها تتساءل عن أهمية الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى بالنسبة لنا.. ولهذه القارئة أقول أن العرب في العصر العباسي أدركوا أهمية الترجمة من اللغة العربية للغات الأجنبية والتي بدأت على يد المستشرقين.. ولنا في ذلك فوائد جمة لعل من أبسطها تعريف الشعوب الناطقة بغير العربية بنتاج العقول العربية وهو ما يمثل لنا قيمة أدبية في حد ذاته ناهيك عن المكاسب المادية التي قد تعود علينا جراء الأخذ بنتاج عقولنا من مخترعات أو أبحاث وخلافه. وأود أن أشير هنا إلى ما ذكره الألماني غوته 1749- 1832 عن الدور الكبير والعظيم الذي لعبه العرب في الحضارة الأوروبية في العصور الوسطى.. وأنا شخصيا أرى– ولعل الكثير من القراء الأعزاء يشاركونني الرأي – أن هذا مصدر فخر لنا جميعا . سؤال آخر وصلني – عبر محادثة هاتفية – من القارئ الصديق أحمد على فايد يسأل عن الوقت الذي بدأت فيه عملية الترجمة في العالم العربي.. وأجيبه بأن الترجمة بدأت منذ عرف الإنسان الحضارة وإن كان ذلك غير موثق.. ولكن بالنسبة للعرب كانوا يرتحلون للتجارة صيفا وشتاءا ( رحلتي الشتاء والصيف ) وكان الفرس هم الأقرب والأكثر احتكاكا بالعرب فكان ولابد أن تنتقل بعض الكلمات والمصطلحات فيما بين اللغتين العربية والفارسية وظهر ذلك جليا فى قصائد كبار الشعراء العرب ومنهم الأعشى.. ولم يتوقف الأمر عند حد الاحتكاك بالفرس شرقا بل أمتد الأمر ليشمل الروم في الشمال والأحباش في الجنوب.. وبرغم التأثر اللغوي الذي ذكرناه فلابد أن ننوه إلى أن عمليات الترجمة ذاتها كانت بدائية برغم التأثر القوى المتبادل في اللغات . وفى رسالة من أحد الأبناء الأعزاء وهو في نفس الوقت صديق على الفيسبوك واسمه هيثم على الحسيني يقول فيها أنه من غير المتصور بعد كل هذا التقدم الذي شهد البشرية في القرن الحادي والعشرين وتوفر أجهزة الحاسب الآلي بأشكال وأنواع وأحجام مختلفة تعجز عقول البعض عن استيعابها أو ملاحقة التطورات التي تطرأ على هذه المخترعات كل يوم وليس كل شهر أو سنة.. هكذا يقول الصديق الصغير هذا أنه لا يتصور أن يجلس شخص مع أوراقه وأقلامه ليترجم أحد الكتب مستعينا في ذلك بالقواميس والمعاجم في الوقت الذي يستطيع فيه بكتابة عنوان الكتاب على الكمبيوتر ويعطى الأمر بالترجمة ( وفق برامج ترجمة متوفرة مجانا ) ليحصل على ترجمة لما يريد في دقائق معدودة وأنني شخصيا قد كتبت عن ذلك في إحدى مقالاتي.. ولهذا الابن العزيز أقول أن الحق معه ولكن ليس بشكل مطلق حيث أن جهاز الكمبيوتر ما هو إلا آلة لا يستطيع التفكير.. يعنى هو يجيب على أسئلتنا بما خزنه البشر في ذاكرته دون تفكير.. بمعنى أنه – أي الحاسب الآلي – لن يكون لديه الحس الأدبي الموجود لدى الإنسان على سبيل المثال في ترجمة نص أدبي.. وهكذا في النواحي العلمية وغيرها من نواحي المعرفة المتعددة والتي لا يمكن للعقل البشرى استيعابها مهما كانت قدراته.. ولأننا لا يمكننا تجاهل المخترعات الحديثة ونؤمن تماما بأهميتها فإنني أجزم أن الكمبيوتر يمكن استخدامه فقط كوسيلة مساعدة في ترجمة بعض الكلمات أو الجمل والمصطلحات ولكن لا يمكننا الاعتماد عليه في ترجمة موضوع بأكمله أو حتى صفحة منه خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن التشكيل في اللغة العربية يؤدى إلى تباين كبير في المعنى المراد ترجمته. وتكرر سؤال في أكثر من رسالة عن أهم الترجمات في عصر هارون الرشيد الذي اشتهر بحب الحياة والإقبال عليها.. وهو سؤال جد وجيه لأن هذا الخليفة بالذات كان هو الأكثر اهتماما بالترجمة ومن بعده ابنه المأمون بعد أن أستقر الحكم بعد الفتوحات الكبيرة التي أدت إلى اتساع رقعة الدول العربية نحو الشرق والغرب وحدوث الاتصال المباشر بالضرورة بين كل هذه الشعوب وكانت الفرس واليونان في المقدمة حيث كان الاهتمام منصبا على علوم اليونان والأدب الفارسي ناهيك عن الفلك والرياضيات والطب التي برع فيها الرومان وكذلك الفلسفة والنقد. ويسعدني في النهاية أن أذكر للقراء الأعزاء مثالا عن أهمية الترجمة في الحفاظ على نتاج العقل البشرى فمن المعروف أن أبن المقفع قد قام بترجمة الكتاب الشهير "كليلة ودمنة" للفيلسوف الهندي بيدبا وأن اسحق بن حنين قد قام بترجمة كتاب "الأخلاق" لأرسطو.. ونكتفي بهاذين المثالين للتدليل على عظمة المواد المنقولة من لغة لأخرى. وفى النهاية نسوق هذا المثال للتدليل على أهمية الترجمة في الحفاظ على التراث فقد حدث أن ضاع النص الفارسي المترجم لكتاب "كليلة ودمنة" والذي يعتبر من أهم الكتب المترجمة فما كان من المترجمين إلا إعادة ترجمة الكتاب مرة أخرى إلى اللغة الفارسية نقلا عن النص العربي.. وأن الأمر نفسه حدث للعديد من النصوص الإغريقية. نكتفي بهذا القدر في موضوع الترجمة وأهميتها في تقدم الأمم على أمل اللقاء بكم في موضوعات جديدة ومقالات قادمة بحول الله.