14 سبتمبر 2025
تسجيلاخترت عنوان المقال وهو مثل خليجي ويعني أن مَن وَصل أوّلاً فهو أولى بالحصول على الشيء، ويقال أحيانًا بمثابة تحفيز على السَبْق وإدراك فضل الأولوية، كما ويستعمل أحيانًا للتبرير، بمعنى لو اتصل بك أحد المرشحين يطلب منك انتخابه لأي منصب كان، مجلس بلدي، مجلس إدارة، جمعية خيرية... إلخ، غالبًا ستقول له «تم» من باب الفزعة، أما المرشح الآخر فسيكون ردك عليه إذا اتصل بك «للأسف اتصل بي فلان قبلك» أو تختصر ردك بالمثل الشعبي «من سبق لبق». نرجع لموضوع الانتخابات التركية، ففي يوم الأحد الماضي كنا جميعا على موعد مع سباق الرئاسة التركي، جلسنا ساعات طويلة نراقب نتائج الاقتراع الرئاسي والبرلماني، نتابع عملية التصويت ونتنقل بين القنوات الفضائية نبحث عن آخر المستجدات، ونستمع لتحليلات المختصين. جرت العملية الانتخابية بكل سلاسة ولمسنا تحضر الشعب التركي وحرصه على المشاركة حيث تراوحت نسبة المشاركة ما بين 88 إلى 93% وهو ما يعد إقبالا تاريخيا على الانتخابات. ورغم الاستقطاب في الساحة التركية إلا أنها لم تسجل أي حادث يذكر، ورغم تباين توجهات المرشحين وبرامجهم الانتخابية إلا أننا لم نشهد ما يعكر صفو العملية الانتخابية. في المقابل لم تكن هناك أي محاولة من الحزب الحاكم «حزب العدالة والتنمية» في تزوير الانتخابات أو التأثير على العملية الانتخابية بشكل مباشر أو غير مباشر، بل لعب الحزب الحاكم دورا كبيرا في الحفاظ على سمعة تركيا كبلد ديموقراطي ودولة مؤسسات وذلك من خلال الحفاظ على نزاهة الانتخابات وشفافيتها. يستطيع أي مراقب منصف لذلك العرس الديموقراطي أن يستشف إحساس الناخب التركي بمسؤوليته تجاه وطنه الذي أعطاه هذه الفرصة الحقيقية للتعبير عن رأيه وانتخاب ممثليه، كما يستطيع أن يلمس حماس الناخبين ورضاهم عن العملية الانتخابية التي لم تتعرض لأي ضغوطات من مؤسسات الدولة أو نافذين في مؤسسة الحزب الحاكم أو الأحزاب الأخرى، ورغم التحديات الاقتصادية التي يعيشها المواطن التركي لم نسمع عن أي استغلال لذلك الوضع أو ابتزاز للمحتاجين مقابل التدخل في اختياراتهم الحرة. المشاركة في الانتخابات، أي نوع من الانتخابات سواء رئاسية أو برلمانية أو حتى شركة مساهمة صغيرة، هي شهادة وتزكية من الناخب للمرشح وليست فزعة، وهي أمانة في عنق الناخب تجاه الله أولًا ثم الوطن، وفضلًا عن ذلك هي في الحقيقة فرصة للمشاركة في صنع المستقبل، فرصة حساسة ومهمة جدًا، لا يجب الانتقاص من أهميتها والتعامل معها بوعيٍ مغيب، أو بلا مسؤولية، ولا تستحمل أن تختزل في منظور ضيق لا يخدم الأمة والمجتمع، كما لا يجب أن تختطفها القبلية أو العنصرية أو المذهبية من يد الكفاءة والأهلية، إن اهتمامنا بإختيار الكفؤ الذي يتبنى أفكارنا ويستطيع أن يحقق آمالنا هو جزء من اهتمامنا بمستقبلنا، وهذا أبعد ما يكون عن مبدأ المثل الشعبي «من سبق لبق».