20 سبتمبر 2025

تسجيل

فنلندا وروسيا وتركيا والثورة السورية

17 مايو 2022

مع استمرار الحرب في أوكرانيا، وتصاعد احتمالية الصدام الغربي- الروسي نتيجة أوكرانيا، تزداد فرص الثورة السورية، إذ إنه بات من المعلوم من السياسة السورية بالضرورة أنه لولا الدعم الغربي، وتحديداً الأمريكي، لما تجرأ الروس على غزو سوريا في سبتمبر/أيلول 2015، وهو ما كشفته مصادر أمريكية رسمية وبحثية سابقاً، وعلى رأسها شهادة نائب وزير الخارجية الأمريكي السابق أندرو أوكسوم أمام الكونغرس الأمريكي بأن الغزو تم بتنسيق أمريكي- روسي، ربما يفسره ما نشرته موسكو تايمز الناطقة بالإنجليزية عن الخارجية الروسية حين هددت بتغيير جذري في سياستها إن تم ضم فنلندا إلى حلف النيتو، والذي تفاعل معه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الفور فأعلن عن رفضه قبول ضم فنلندا والسويد إلى الحلف لكونهما ملاذين آمنين للإرهابيين الأكراد، واستند أردوغان برفضه هذا على الحق الذي يمنحه إياه حلف النيتو، بحق أي عضو من أعضائه على الاعتراض على ضم أعضاء جدد. هذه الإشارات السياسية من هنا وهناك، قد تفسر لنا طبيعة علاقة الثورة السورية بما يجري على الساحة الأوكرانية والفنلدية، فتركيا التي تسير على حبل مشدود ورفيع جداً، طرفاه روسيا، والغرب، تجد في رغبة الانضمام من قبل السويد وفنلندا، فرصة مهمة لفرض شروطها على الغرب وروسيا، ولذا فهي تسعى إلى إرسال رسائل لروسيا بأنها مستعدة لمنع حصول الانضمام هذا، إن هي قبضت الثمن، والثمن اليوم على ما يبدو هو أن تخلُفْها في سوريا بعد انسحابها الذي بدأ، يفسره أكثر استدعاء رأس النظام السوري بشار الأسد بشكل عاجل ولأربع ساعات فقط إلى طهران ولقاءاته مع المسؤولين الإيرانيين بمن فيهم الخامنئي، حيث تخشى إيران من استبعادها من سوريا، مما عكس مدى الخوف والقلق الإيرانيين من الفراغ الذي سيخلفه انسحاب القوات الروسية، لكن من الصعب على الروسي المتحالف مع الإيراني بحيزات إقليمية ودولية عدة أن يضحي به لصالح التركي، بالمقابل فإن التركي يحاول ابتزاز الطرف الغربي بقبض ثمن السماح لدول مثل السويد وفنلندا بالانضمام إلى حلف النيتو، وربما يكون الثمن أبعد من الورقة الكردية وهو تغير كبير في استراتيجيته تجاه النظرة التركية في سوريا، ولعل التصعيد الثوري العسكري الذي حصل في الشمال السوري بداية لجس نبض الأطراف كلها. قرار تركيا السابق بإغلاق مضيق البوسفور بوجه أسطول سيفاستوبول الروسي في البحر الأسود المسؤول عن دعم قوات بلاده في كل من سوريا وليبيا، مع قرارها أخيراً بإغلاق أجوائها بوجه الطيران الروسي من وإلى سوريا، يضع المخطط الروسي جيواستراتيجياً تحت ضغوط هائلة. الواضح أن الحلف الروسي- الإيراني عميق وقديم، وبالتالي لا يمكن لموسكو أن تضحي به من أجل أحلاف جديدة، لم تجربها كما جرّبت حلفها مع طهران لعقود، ولذا فقد نقلت مصادر جريدة الاندبندنت أخيراً بأن موسكو سلّمت بعض قواعدها في سوريا للحرس الثوري الإيراني، ولحزب الله اللبناني، الأمر الذي قد يفسر سبب تصاعد الهجمات الأمريكية والإسرائيلية الأخيرة على الأهداف الإيرانية في سوريا، بالإضافة إلى شحنات الأسلحة القادمة لميناء طرطوس. الكل بات يدرك تماماً أن عصر الحياد ربما قد انتهى بعد الحرب الأوكرانية، وأن عصر ما قبل غزو أوكرانيا ليس كما هو بعده، وهو ما تحدث عنه هنري كيسنجر أخيراً، مع مدير المخابرات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز في حفلة أقامتها صحيفة الفايننشال تايمز، ولذا لا بد من التحضير والاستعداد لذلك العصر الجديد. فالكل معني به في سوريا، والقوى الثورية من جانبها تستعد، في ظل مخاوف حقيقية من انتفاضة شعبية يترقبها النظام في مناطقه نتيجة الواقع الاقتصادي المتردي الناجم عن الحرب الأوكرانية وانشغال كفيله الأساسي روسيا بها على حساب الوضع في سوريا.