20 سبتمبر 2025
تسجيلوحده المجتمع المدني القادر على إيقاف هذيان المواطن وتحويله إلى طاقة عمل وبناء. لو استقرأنا التاريخ لوجدنا أن التغيير الراديكالي، وما قد يصاحبه من سلبيات هو نتيجة عدم الاكتراث بهذيان المواطن الذي قد يأخذ شكلاً آخر عندما تصطدم آماله وطموحاته بما لا يطيقه أو يستطيع التعبير عنه، فقد انتقل دور الدولة عموماً من علاج هذا الهذيان جذرياً إلى كيفية التعامل معه ومن ثم تنفيسه. المواطن العربي "والقطري جزء لا يتجزأ منه" مريض بالهذيان والاكتئاب، يخلط الماضي بالحاضر والدين بالدنيا، يهذي بأمجاد الأمس ولا يملك حاضره، وليست له القدرة على استشراف مستقبله، يتكلم عن الحرية وهو أول من يحرمها على غيره، يتحدث عن النظافة ليلقي بأوساخه في الشارع وأمام البيت، يتأسف على ضياع الأمانة ليمارس النفاق سراً، يدعو إلى النظام ليفتخر بتجاوزه بعد ذلك، يبكي على الديمقراطية الغائبة لينحاز للعرق والطائفة والقبيلة حتى الرمق الأخير، يطلب الانتخابات ليكون أول المتنصلين من نتائجها، يقول شيئاً في العلن ليضمر شيئاً آخر في السر، يمارس التقية ويدعى صفاء النية. المواطن العربي هنا ضحية أكثر منه جانياً، كل هذه المثالب هي تمظهر حقيقي لغياب المجتمع المدني الحقيقي، الذي يرفع الشخص إلى مستوى الإيمان بالفكر الذي يميز الإنسان عن غيره من الكائنات، والذي يعطيه الحق في الدفاع بما آمن به والقوة في قول ما اقتنع به كذلك. المجتمع المدني وحده القادر على انتشال المواطن من بؤرة التكور حول الذات لحمايتها إلى مجال الحوار الإنساني البناء والثقة بالنفس والانتماء المهني والفكري اللازم لبناء الوطن والأمة، لن تكون الدولة أية دولة على هدى وبصيرة وهى لا تحمل في ثناياها بذور مجتمع مدني حقيقي، هو بوصلتها الحقيقية نحو بر الأمان، هو الحد الفاصل بين رشدها وغيها. لقد ظلم المواطن العربي غير مرة، ظلم عندما صدق وعود الديمقراطية الآتية لا محالة ولم يرى سوى شعارات ترفع وعبارات تردد، وظلم عندما دعي إلى الانتخابات وهو في غرفة نومه وبين أحضان عشيرته وقبيلته الأقربين، وطلب منه أن يتنصل وأن يخرج بنتائج تتفق ووجود المجتمع المدني، وظلم ثالثة عندما فرغت الدولة مكونات المجتمع المدني من مضامينها وألحقته بها، فكان وبالاً على المواطن لا عوناً له، فأصبحت هذه النقابات وتلك الجمعيات والأحزاب ليس لها من المجتمع المدني سوى المسمى واللافتة. [email protected]