23 سبتمبر 2025

تسجيل

الدراما التليفزيونية الخليجية.. وماذا نريد؟

17 مايو 2020

الدراما الخليجية الرمضانية اتخذت سيرها هذا العام على الشاشة بالرغم من جائحة كورونا ولو بشكل يسير عن ما مضى، وبالرغم من أن ليس كل عمل درامي فني يتخذ صفة التسلية والترفيه واللهو في مضمونه فإن هناك أعمالاً فنية لها رسالتها الهادفة حين تحاكي واقعاً تاريخياً اجتماعياً وسياسياً، وحين تحاكي القيم الأخلاقية النبيلة الجميلة وتعزيزها وتثبيتها، وحين تعالج السلبيات والأخطاء بصورة عامة في المجتمع والأسرة، حسب ما يريد أن يصل إليه المؤلف أو المنتج من رسالة هادفة، ولا شك أنها تلقى قبولاً ورواجاً واستحساناً، خاصة إذا لم تكن فيها مشاهد فاضحة تخل بالقيم والسلوك، وتخدش الحياء، وتجرح المشاعر بألفاظ وسلوكيات جارحة. المسلسلات الخليجية في الأعوام الماضية أغلبها تعرضت للنقد المستمر لماذا؟! معظمها خرجت عن المفاهيم الخلقية في الحركات والسلوك واللبس والشكل، كما هي أغلبها هذا العام، وكما سمح لي الوقت برؤية مقتطفات من بعضها بدون تحديد، أغلبها بصورة عامة تعتمد في حبكتها على إظهار الجانب السلبي في المجتمعات الخليجية العنف، التفكك، الكذب، الاحتيال، القتل، التمرد والتنمر وغيرها، لتقدم للمشاهد صورا ونماذج لشخصيات سيئة أمام مرأى الشباب تنزف بها قيمهم وقيم المجتمع، وتضلل أفكارهم بإبعادهم عن الدين وتوجيهاته وعن الخلق القويم، نماذج سيئة سلبية بانحرافات سلوكية وخلقية مرضية، وأشكال لا أنزل الله بها من سلطان لتكون عبرة وقدوة، وهذا لا يمنع في المقابل ولو قلة هناك أعمال فنية درامية تتخذ الصفة الإيجابية الرائعة حين تكون في رسالتها هدفاً تاريخياً وقيمياً، تنبش في الأوراق القديمة لتاريخ الخليج بكل معطياته السلوكية والاجتماعية والمكانية لتستعرض كيفية التعامل والحب والترابط والستر والطيبة والأخوة وغيرها من القيم الجميلة التي كانت سمة يتصف بها الآباء والأجداد في عصر ما قبل النفط، تجعلنا نعيش أحداثها وأجواءها وكأنها واقع حيّ أمامنا بعيدا عن ضجيج الحضارة وأزماتها، هذه الصورة التاريخية بعناصرها الزمانية والمكانية وحقبتها التاريخية نقلها لنا على سبيل المثال لا الحصر المسلسل الكويتي "رحى الأيام" الذي يعرض هذا العام على الشاشة الكويتية في شهر رمضان، ليكون عملاً استثنائيا يزخر بقيم راقية افتقدناها في عصرنا الحاضر حين تكون رهن المقارنة، استعرض المسلسل تاريخ الكويت القديم قبل وبعد بناء سور الكويت، يتناول أربع حقب زمنية في تاريخ الخليج قبل أربعة قرون من نجد للكويت، بقصة أحداثها حقيقية بشخصياتها الواقعية، مستعرضا نسيج المجتمعات الخليجية بشخصياته الكادحة الحريصة على فعل الخير والمبادرة في تقديم الصدقات، الساعية إلى التسامح والعفو والتعاون والترابط والتآخي خاصة في المحن والأزمات، يؤثرون غيرهم على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، كما هو الاحتشام في مظهر الشخصيات النسائية وسلوكها. دون ابتذال وإبراز المفاتن وإثارة الغرائز والعواطف، التي هي مع الأسف رسالة أغلب المسلسلات الخليجية حالياً وكأن هناك أصابع مغرضة بأهداف خارجية يسعى من خلالها لتشويه صورة الخليج، هذا المسلسل صورة مغايرة عن طباع أصيلة يحكمها الدين وتسيرها القيم الخلقية لأهل الكويت وعلى هذا المنوال كان أهل الخليج سابقاً، نحن بحاجة الآن إلى مثل هذه الأعمال التاريخية الراقية بشخصيتها ومضمونها، لتتغذى الأجيال بفكرها وخلقها الجميل من عبق الماضي وأصالته والتي- شكلتها- مع الأسف - سلبيات الحضارة المعاصرة ودعمتها الأعمال الفنية الهابطة، بمسلسلاتها وأفلامها وبرامجها، فاختل توازن الأصالة الخلقية مع التقليد الأعمى الذي طفح كيله، وتشوهت عقليته بالمتناقضات بين واقع ملموس، وماض أصيل منقول، مثل هذه الأعمال الفنية التي تهدف إلى السرد التاريخي والبناء الخلقي وتعزز منظومة القيم الأصيلة والتراث، أعمال لا تهدم ولا تشوه، يجب أن تأخذ نصيب الأسد في الإنتاج السنوي الرمضاني في دول الخليج ويتبناها المسؤولون بالدعم والتشجيع.. نريد دراما تليفزيونية تصحح مسار العقول وتقوم السلوك، وترتقي بالأخلاق لتقف الأجيال في مواجهة سموم التيارات المعاصرة بثبات ديني وخلقي. [email protected]