14 سبتمبر 2025
تسجيلوصلت حمى الانتخابات في أوروبا مرحلة ملتهبة بما ينذر بهبوب رياح التغيير على القارة العجوز، وذلك من خلال النتائج الأخيرة التي أظهرت أن الرياح الجديدة ستأتي بما لا تشتهيه الأحزاب الحالية التي ظلت تسيطر على حكومات الدول الأوروبية لفترة طويلة. وبفوز مرشح الحزب الاشتراكي فرانسوا هولاند بالرئاسة والإطاحة باليميني نيكولا ساركوزي، يصبح هولاند بذلك الرئيس السابع في الجمهورية الخامسة لمدة خمس سنوات، ليتزعم إحدى أهم الدول النافذة في العالم، والتي تمتلك سلاحا نوويا، وعضوية دائمة في مجلس الأمن، وتلعب دورا رئيسا وهاما في الاتحاد الأوروبي. ومع صعود اليسار إلى الحكم في فرنسا بعد أكثر من عقد من الزمان، واحتمال حصول ائتلاف حزب اليسار المتطرف "سيريزا" على عدد من المقاعد داخل البرلمان اليوناني بعد أن وجد دعم قاعدة عريضة من الشعب اليوناني خاصة من شريحتي الشباب والمثقفين المناهضين لسياسات التقشف ولتلك الشروط الصارمة التي فرضها كل من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي لإنقاذ البلاد، ورغم فشل الحزب اليساري في الحصول على أغلبية المقاعد في البرلمان، إلا أن احتمال خروج أحزاب مهيمنة وسياسيين من الحلبة يمكن أن يضيف للحزب في المستقبل القريب أملا في وصوله إلى السلطة. كما أظهرت نتائج الانتخابات البرلمانية بأكبر الولايات الألمانية (شمال الراين وستفاليا)، فوز الحزب الاشتراكي الديمقراطي بالنتائج الأولية وبالتالي خسارة حزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل (الحزب المسيحي الديمقراطي) الذي مُني بهزيمة قاسية. هل سيطلق هذا التغير في المشهد السياسي الأوروبي الشرارة الأولى "للربيع الاشتراكي"؟ لقد أثبتت نتائج الانتخابات في كل من فرنسا واليونان وألمانيا أن الأوروبيين غير راضين عن حكوماتهم الحالية، ويتطلعون إلى أحزاب أخرى - كالأحزاب الاشتراكية - يحدوهم فيها الأمل أن تحمل في طياتها انفراجا للأزمة ونهاية للفصل الاقتصادي المأساوي. فلقد اكتسبت هذه الأحزاب الاشتراكية وضعها الراهن في أعلى القوائم الانتخابية، لأنها حصلت على دعم من قطاعات مغلوبة على أمرها من الشعب الذين عانوا الأمرين من سياسات التقشف الاقتصادي التي فرضتها عليهم حكوماتهم. ومع ذلك، فإن الدول العربية هي أيضا قلقة حيال ما يمكن أن تأتي به رياح أوروبا بوضعها الحالي الذي تقودها فيها حكومات يسارية، وما ستجلبه للعلاقات العربية، خاصة العلاقات العربية - الفرنسية. فحينما اعتلى المرشح الاشتراكي فرانسوا ميتران السلطة في فرنسا عام 1981، أصاب قلق بالغ غالبية الدول العربية باعتبار أن ميتران صديقا لإسرائيل، وكانت هناك أحاديث حول رغبة بعض الدول العربية في سحب استثماراتها من البنوك الفرنسية تحسبا لأي تغييرات سياسية قد تطرأ من قبل إدارة ميتران تجاه الشرق الأوسط. ورغم ذلك، فلقد تعامل ميتران مع الأمور بكل دبلوماسية، وبعث بكبار موظفيه لجميع سفارات منطقة الشرق الأوسط ليؤكد لهم أن سياساته تجاه المنطقة ستكون متوازنة، كما بعث شقيقه الجنرال جاك ميتران إلى المملكة العربية السعودية لإجراء مباحثات مع الملك خالد وولي العهد - آنذاك - الأمير فهد. ونتيجة لذلك، قام ميتران بأول زيارة خارجية له، بصفته رئيسا لفرنسا، إلى المملكة العربية السعودية. وأظهر ميتران أيضا دعمه للعالم العربي خلال الحرب الأهلية اللبنانية عندما قام بإرسال قوات فرنسية للمساعدة في استعادة النظام في البلاد التي مزقتها الحرب الأهلية، كما استقبل رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات في باريس في عام 1989. وخلال فترة حكم ساركوزي، كانت فرنسا إحدى الدول التي بذلت جهدا حثيثا للدفع باتجاه التدخل العسكري لحلف شمال الأطلسي في ليبيا، وكذلك طالبت فرنسا الرئيس السوري بشار الأسد بالتنحي أكثر من مرة. ورغم أن فرانسوا هولاند لم يعبّر بشكل واضح عن سياسته تجاه الشرق الأوسط، إلا أنه أعلن خلال حملته الانتخابية أنه يؤيد التدخل العسكري في سوريا طالما أنه يتم من خلال إطار عمل الأمم المتحدة. ودعا أيضا إلى تشديد العقوبات ضد إيران لتجنب أي تصعيد عسكري محتمل. وكان ساركوزي خلال فترة رئاسته حريصا على تعزيز علاقات ودية مع الرئيس باراك أوباما، مما نتج عنه توطيد للعلاقات الفرنسية الأمريكية، لاسيَّما وأن الولايات المتحدة تعتبر أهم وجهة للاستثمارات الفرنسية في الخارج. ومع خلفية هولاند الاشتراكية، فإنه من المتوقع أن يكون أقل ودية تجاه الولايات المتحدة من خلال علاقة شبه متوترة تحكمها حسابات سياسية، وفي المقابل تطوير علاقات أوثق في ذات الوقت مع روسيا. وقال هولاند إنه سوف يؤكد على استقلال فرنسا من دون جعل الأمور صعبة بالنسبة لأوباما، وهذا يشير إلى أن فرنسا في ظل إدارة هولاند لن تسير بأي حال في خطى السياسة الأمريكية حول مختلف القضايا بشكل أعمى، وهذه بطبيعة الحال يمكن أن تمثل نقطة إيجابية لصالح روسيا. خلال السنوات الأولى من رئاسة ميتران، كانت العلاقات بين فرنسا والاتحاد السوفيتي – آنذاك- فاترة، خصوصا بعد تصريح ميتران بأنه لن يكون هناك أي تطبيع للعلاقات بين البلدين، إلا إذا نفذت (روسيا) انسحابا ينهي احتلالها لأفغانستان. ولكن عندما جاء ميخائيل غورباتشوف إلى السلطة، تحسنت العلاقات الفرنسية السوفييتية وعادت الأجواء أكثر دفئا إلى عهد ديغول، حيث أصبح ميتران أكثر استجابة لدعوات غورباتشوف بضرورة الحد من سياسة التسلح. وفي هذا السياق، فمن المرجح أن فرنسا هولاند ستكون أكثر ترحيبا بروسيا، طالما أن روسيا لديها الخبرة الكافية في التعامل مع الرؤساء الاشتراكيين طيلة سنوات العهد السوفييتي. ورغم وعود التغيير وبداية عهد جديد، فإن الحزب الاشتراكي في فرنسا سوف يحتاج إلى وقت لاستقرار الأوضاع في حكومته الجديدة وعودة اليسار إلى الأليزيه بعد غياب استغرق 17عاما. لقد تغيرت الأوضاع كثيرا منذ أن حكم فرانسوا ميتران فرنسا، وستؤثر مجريات الأحداث السياسية في الدول الأوروبية الأخرى على مدى وكيفية استجابة إدارة فرانسوا هولاند لتلك التغيرات المتوقعة على خارطة أوروبا السياسية. وأيضا في ظل حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية الجارية، فإن الحزب الاشتراكي لن يملك سوى الانتظار والترقب لما ستؤول إليه الأحداث هناك، وما إذا كانت ستحدث تغييرات تتطلب إجراء تعديل على السياسات الفرنسية، فضلا عن سياسات الدول الأوروبية الأخرى. لا بد للربيع الأوروبي هذا العام أن يحدث تغييرا، ليس فقط اقتصاديا، بل سياسيا أيضا. وعن مدى تأثير هذه التغييرات على فرنسا والقارة الأوروبية، فهذا أمر يصعب التكهن به، وكل ما علينا فعله هو الانتظار. وعليه، فإن انعكاس هذا التوازن الجديد في القوى يجب أن يكون بردا وسلاما على السياسة الخارجية للدول العربية، وينبغي للدول العربية أن تضع في الاعتبار هذه التغييرات التي تحدث في فرنسا وبلدان أوروبية أخرى، وتتصرف على هذا النحو من خلال اتخاذ خطوة أولى جادة في طريق تعزيز علاقات الصداقة مع أوروبا، وأن يعرب العرب عن آمالهم في أن يكون انتخاب فرانسوا هولاند فرصة جديدة لاستعادة مسار شراكة طويلة المدى بين الدول العربية وفرنسا، وصولا إلى تقوية العلاقات العربية الفرنسية على قيم الصداقة والمصالح المشتركة، بدلا من إلقاء اللوم على إسرائيل دائما في كونها تستحوذ على علاقات أفضل مع الدول الأوروبية. وبفوز مرشح الحزب الاشتراكي فرانسوا هولاند بالرئاسة والإطاحة باليميني نيكولا ساركوزي، يصبح هولاند بذلك الرئيس السابع في الجمهورية الخامسة لمدة خمس سنوات، ليتزعم إحدى أهم الدول النافذة في العالم، والتي تمتلك سلاحا نوويا، وعضوية دائمة في مجلس الأمن، وتلعب دورا رئيسا وهاما في الاتحاد الأوروبي. ومع صعود اليسار إلى الحكم في فرنسا بعد أكثر من عقد من الزمان، واحتمال حصول ائتلاف حزب اليسار المتطرف "سيريزا" على عدد من المقاعد داخل البرلمان اليوناني بعد أن وجد دعم قاعدة عريضة من الشعب اليوناني خاصة من شريحتي الشباب والمثقفين المناهضين لسياسات التقشف ولتلك الشروط الصارمة التي فرضها كل من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي لإنقاذ البلاد، ورغم فشل الحزب اليساري في الحصول على أغلبية المقاعد في البرلمان، إلا أن احتمال خروج أحزاب مهيمنة وسياسيين من الحلبة يمكن أن يضيف للحزب في المستقبل القريب أملا في وصوله إلى السلطة. كما أظهرت نتائج الانتخابات البرلمانية بأكبر الولايات الألمانية (شمال الراين وستفاليا)، فوز الحزب الاشتراكي الديمقراطي بالنتائج الأولية وبالتالي خسارة حزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل (الحزب المسيحي الديمقراطي) الذي مُني بهزيمة قاسية. هل سيطلق هذا التغير في المشهد السياسي الأوروبي الشرارة الأولى "للربيع الاشتراكي"؟ لقد أثبتت نتائج الانتخابات في كل من فرنسا واليونان وألمانيا أن الأوروبيين غير راضين عن حكوماتهم الحالية، ويتطلعون إلى أحزاب أخرى - كالأحزاب الاشتراكية - يحدوهم فيها الأمل أن تحمل في طياتها انفراجا للأزمة ونهاية للفصل الاقتصادي المأساوي. فلقد اكتسبت هذه الأحزاب الاشتراكية وضعها الراهن في أعلى القوائم الانتخابية، لأنها حصلت على دعم من قطاعات مغلوبة على أمرها من الشعب الذين عانوا الأمرين من سياسات التقشف الاقتصادي التي فرضتها عليهم حكوماتهم. ومع ذلك، فإن الدول العربية هي أيضا قلقة حيال ما يمكن أن تأتي به رياح أوروبا بوضعها الحالي الذي تقودها فيها حكومات يسارية، وما ستجلبه للعلاقات العربية، خاصة العلاقات العربية - الفرنسية. فحينما اعتلى المرشح الاشتراكي فرانسوا ميتران السلطة في فرنسا عام 1981، أصاب قلق بالغ غالبية الدول العربية باعتبار أن ميتران صديقا لإسرائيل، وكانت هناك أحاديث حول رغبة بعض الدول العربية في سحب استثماراتها من البنوك الفرنسية تحسبا لأي تغييرات سياسية قد تطرأ من قبل إدارة ميتران تجاه الشرق الأوسط. ورغم ذلك، فلقد تعامل ميتران مع الأمور بكل دبلوماسية، وبعث بكبار موظفيه لجميع سفارات منطقة الشرق الأوسط ليؤكد لهم أن سياساته تجاه المنطقة ستكون متوازنة، كما بعث شقيقه الجنرال جاك ميتران إلى المملكة العربية السعودية لإجراء مباحثات مع الملك خالد وولي العهد - آنذاك - الأمير فهد. ونتيجة لذلك، قام ميتران بأول زيارة خارجية له، بصفته رئيسا لفرنسا، إلى المملكة العربية السعودية. وأظهر ميتران أيضا دعمه للعالم العربي خلال الحرب الأهلية اللبنانية عندما قام بإرسال قوات فرنسية للمساعدة في استعادة النظام في البلاد التي مزقتها الحرب الأهلية، كما استقبل رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات في باريس في عام 1989. وخلال فترة حكم ساركوزي، كانت فرنسا إحدى الدول التي بذلت جهدا حثيثا للدفع باتجاه التدخل العسكري لحلف شمال الأطلسي في ليبيا، وكذلك طالبت فرنسا الرئيس السوري بشار الأسد بالتنحي أكثر من مرة. ورغم أن فرانسوا هولاند لم يعبّر بشكل واضح عن سياسته تجاه الشرق الأوسط، إلا أنه أعلن خلال حملته الانتخابية أنه يؤيد التدخل العسكري في سوريا طالما أنه يتم من خلال إطار عمل الأمم المتحدة. ودعا أيضا إلى تشديد العقوبات ضد إيران لتجنب أي تصعيد عسكري محتمل. وكان ساركوزي خلال فترة رئاسته حريصا على تعزيز علاقات ودية مع الرئيس باراك أوباما، مما نتج عنه توطيد للعلاقات الفرنسية الأمريكية، لاسيَّما وأن الولايات المتحدة تعتبر أهم وجهة للاستثمارات الفرنسية في الخارج. ومع خلفية هولاند الاشتراكية، فإنه من المتوقع أن يكون أقل ودية تجاه الولايات المتحدة من خلال علاقة شبه متوترة تحكمها حسابات سياسية، وفي المقابل تطوير علاقات أوثق في ذات الوقت مع روسيا. وقال هولاند إنه سوف يؤكد على استقلال فرنسا من دون جعل الأمور صعبة بالنسبة لأوباما، وهذا يشير إلى أن فرنسا في ظل إدارة هولاند لن تسير بأي حال في خطى السياسة الأمريكية حول مختلف القضايا بشكل أعمى، وهذه بطبيعة الحال يمكن أن تمثل نقطة إيجابية لصالح روسيا. خلال السنوات الأولى من رئاسة ميتران، كانت العلاقات بين فرنسا والاتحاد السوفيتي – آنذاك- فاترة، خصوصا بعد تصريح ميتران بأنه لن يكون هناك أي تطبيع للعلاقات بين البلدين، إلا إذا نفذت (روسيا) انسحابا ينهي احتلالها لأفغانستان. ولكن عندما جاء ميخائيل غورباتشوف إلى السلطة، تحسنت العلاقات الفرنسية السوفييتية وعادت الأجواء أكثر دفئا إلى عهد ديغول، حيث أصبح ميتران أكثر استجابة لدعوات غورباتشوف بضرورة الحد من سياسة التسلح. وفي هذا السياق، فمن المرجح أن فرنسا هولاند ستكون أكثر ترحيبا بروسيا، طالما أن روسيا لديها الخبرة الكافية في التعامل مع الرؤساء الاشتراكيين طيلة سنوات العهد السوفييتي. ورغم وعود التغيير وبداية عهد جديد، فإن الحزب الاشتراكي في فرنسا سوف يحتاج إلى وقت لاستقرار الأوضاع في حكومته الجديدة وعودة اليسار إلى الأليزيه بعد غياب استغرق 17عاما. لقد تغيرت الأوضاع كثيرا منذ أن حكم فرانسوا ميتران فرنسا، وستؤثر مجريات الأحداث السياسية في الدول الأوروبية الأخرى على مدى وكيفية استجابة إدارة فرانسوا هولاند لتلك التغيرات المتوقعة على خارطة أوروبا السياسية. وأيضا في ظل حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية الجارية، فإن الحزب الاشتراكي لن يملك سوى الانتظار والترقب لما ستؤول إليه الأحداث هناك، وما إذا كانت ستحدث تغييرات تتطلب إجراء تعديل على السياسات الفرنسية، فضلا عن سياسات الدول الأوروبية الأخرى. لا بد للربيع الأوروبي هذا العام أن يحدث تغييرا، ليس فقط اقتصاديا، بل سياسيا أيضا. وعن مدى تأثير هذه التغييرات على فرنسا والقارة الأوروبية، فهذا أمر يصعب التكهن به، وكل ما علينا فعله هو الانتظار. وعليه، فإن انعكاس هذا التوازن الجديد في القوى يجب أن يكون بردا وسلاما على السياسة الخارجية للدول العربية، وينبغي للدول العربية أن تضع في الاعتبار هذه التغييرات التي تحدث في فرنسا وبلدان أوروبية أخرى، وتتصرف على هذا النحو من خلال اتخاذ خطوة أولى جادة في طريق تعزيز علاقات الصداقة مع أوروبا، وأن يعرب العرب عن آمالهم في أن يكون انتخاب فرانسوا هولاند فرصة جديدة لاستعادة مسار شراكة طويلة المدى بين الدول العربية وفرنسا، وصولا إلى تقوية العلاقات العربية الفرنسية على قيم الصداقة والمصالح المشتركة، بدلا من إلقاء اللوم على إسرائيل دائما في كونها تستحوذ على علاقات أفضل مع الدول الأوروبية.