13 سبتمبر 2025

تسجيل

التفاصيل الصغيرة

17 مايو 2011

في خضم الحياة التي نعيشها كيفما كانت أعتقد أننا بأيدينا نفرط الكثير من حبات السعادة، ومع كل حبة تقع نخسر قسطاً من متعة الحياة التي ننشدها. أعتقد أن لدينا خللا في التعامل مع تفاصيل حياتنا اليومية، مما يفقدنا الاستمتاع بها، ورغم أننا قد نمتلك الكثير من مقومات السعادة في نظر غيرنا،فإننا قد لانستطيع أن نوجه لها نفس هذه النظرة التي يرانا بها الآخرون، ولانستطيع أن نتعامل معها بطريقتهم. وما ألاحظه دائماً في السفر وعند ارتياد بعض الأماكن أن الكثير من الأجانب يجيدون التعامل مع تفاصيل حياتهم الصغيرة، فإن كانوا في المتحف يمعنون النظر في كل قطعة، ويقرأون كل مايكتب عنها، وإذا كانوا في حالة استرخاء فستراهم يعيشون تلك اللحظة بهدوء واندماج، أما في المطاعم فعندما يطلبون طبقاً معيناً ترى في طريقة تعاملهم مع مكونات هذا الطبق أنهم يقدرون مايأكلونه ويتلذذون بطعمه حتى آخر قطعة، وإنه ليس مجرد مكونات تسد الجوع، بينما بعض العرب من حولهم تتراكم أمامهم على المائدة أصناف وأصناف من الأطباق التي لايستمتعون بتفاصيلها أبداً. ولا أنسى صديقتي السيدة الكندية التي أحببت في شخصيتها أسلوب تعاملها وقدرتها على خلق متعة من كل ماحولها من تفاصيل حياتها اليومية ابتداء من قهوة الصباح التي تخصص لها الوقت وتجلس لترتشفها بكل متعة، وتستطيع أن تفرح وتقدر أبسط الأشياء والهدايا ولو كانت قطعة صغيرة من الكعك، وتجعلني أستمتع بمشاركتها الطعام لما لديها من قدرة على التذوق، وعلى أن تفرق في الطعم بين مكونات الطبق، واكتشاف طعم التوابل وتستمتع بكل منها على حدة، فتجعلني أرى في طبق السلطة ألوان االطبيعة الرائعة، ولمعان ضوء الشمس. علينا أن نتعلم أن نعطي كل شيء حقه، وأن نقوي حاسة التذوق لدينا، تذوق كل مافي الحياة، فاللحظة التي نحتسي فيها كوب الشاي هي في الواقع لحظة تستحق أن نستمتع بما يرافقها من طعم وأحاديث وأن نفرح بها كي تقدم لنا السعادة. فنحن أحياناً إما في حالة استعجال أو في حالة تأجيل، وبمعنى آخر إما أن نكون ليس لدينا الوقت لاستحضار سعادة التفاصيل، وإما أن نريد أن نؤجل متعة اللحظة التي قد تكون أمامنا، وكلاهما يسقط الكثير من حبات السعادة. فهناك أمثلة كثيرة في الحياة نكتشف بعدها أنها كانت تستحق منا استدعاء السعادة، فقد يسافر البعض من بلاد لأخرى، قاطعاً آلاف الأميال، منفقاً الكثير من الأموال، باحثاً عن المتعة، لكنه يعود بلا سعادة، فقط لأنه يعود ويتذمر من غرفة الفندق الضيقة وينسى روعة الأجواء والتجوال.. وغيرهم بدلا من أن يرفه عن نفسه، يخلق الخلاف والمشاحنات بسبب تمسكه غير العادل برأيه في كل الأمور، وفي كل الحالات يخفق في اقتناص السعادة. مازلت ممن يعتقد بقدرة الإنسان على خلق لحظة سعادة من بين الآلام، وأن الإنسان وحده فقط من يستطيع أن يلون حياته بالألوان الزاهية، فأثرى أثرياء العالم قد يعجز أن يشتري السعادة لنفسه،لأنها قد لاتكمن في الأشياء الكبيرة اللماعة، وإنما في التفاصيل الصغيرة في حياته اليومية. وفي النهاية.. بالتأكيد السر يكمن فينا، تفاصيل صغيرة علينا أن نستشعرها. فالهدوء والعمل وصخب الحياة، واستنشاق رائحة الزهور بعمق، ولقاء ورفقة، وقهوة وشاي، كلها لحظات سعادة لاتجعلها تفوتك.. [email protected]