11 سبتمبر 2025
تسجيلودعنا بالأمس القريب شهر رمضان فتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، ودعناه وحال أمتنا كهشيم المحتضر، لا يمر عليها عقد من الزمان إلا والذي قبله خيرٌ منه، ولا تكاد تنطفئ فتنةٌ في قُطْرٍ منها إلا واشتعلت أختها في قُطْرٍ آخر، فتنٌ طائفية وعرقية ومذهبية وعلمانية وقومية، لم تسلم منها بقعة من أرض العرب، مزقت الولاءات ما بين مذهبية وعرقية وأيدلوجياتٍ سياسية، فضاع في زخمها الولاء لأمتنا التي قال عنها الحق تبارك وتعالى «كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ»، فضعفت واستكانت وتمكن منها الأعداء فسيطروا على مراكز قوتها ساعين لإطفاء جذوتها بكل ما أوتوا من قوة ومكر حتى لا تقوم لها قائمةٌ بعد. ودعنا رمضان وليس لنا مشروعٌ يوحد كلمتنا ويرص صفوفنا ويُرَكِّز جُهودنا ويحفظ مواردنا ويرشّد طاقاتنا، إنما مبادراتٌ قُطْريّة أو حزبيّة متفرقة ومنعزلة عن التكامل فيما بينها، فأصبح كل حزبٍ بما لديهم فرحون، وأصبحت مجتمعاتنا رخوة إلى حد الاختراق السهل من المنظمات المشبوهة والأيدلوجيات المعتوهة، وصرنا جزءًا من مشروع الغير وساحةً لتجاربه، وتلك نتيجة طبيعية للشقاق والنزاعات التي تعصف بأمتنا ونتيجة للانحراف عن منهج الحق قال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ). ها قد مضت مائة عامٍ منذ سقوط السلطنة العثمانية التي حرصنا كعرب على التخلص من هيمنتها لنقع ضحية الهيمنة الغربية بل نغرق في محيطها بعلمٍ أو بجهل، فما الذي جنيناه منذ ذلك الحين؟ أين هي كرامة الإنسان العربي في وطنه؟ فكرامة الإنسان هي اللبنة الأولى لبناء الوطن، وأين نحن من سيادة القانون، ومحاربة الفساد، والحكم الرشيد، والحريات، والتعليم، والصحة، والعدل، والمساواة، والأمن، والديمقراطية و و و، تلك القيم أصبحت في بلاد العرب شعارات فارغة وبلا رصيد، نرفعها ونتباهى بها في المحافل الدولية، ونوهم الشعوب بأننا على الجادة فقط لنقطع الطريق على المطالبين بالإصلاح الحقيقي، فلا تغرنك كثرة هيئات مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والممارسات الديمقراطية وحرية الصحافة، فكل المؤشرات الدولية والممارسات على أرض الواقع تفضح تلك الادعاءات وتعريها تمامًا مهما حاولت آلات الإعلام الرسمي تسويقها. قرن من الزمان وأمتنا تحاول أن تلملم شتاتها وترمم حضورها وتستعيد ريادتها دون جدوى، كالذي يجمع الدقيق في يوم عاصف، وذلك أن شعارنا واحدٌ وغاياتنا مختلفةٌ تمامًا كاختلاف أعلامنا «تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ»، وقد تداعت علينا الأمم «المتحدة» تداعي الأكلة على قصعتها كما جاء في الحديث الشهير الذي رواه ثوبان رضي الله عنه. وعندما نستذكر مكامن القوة لدى الأمة العربية، والتي تمتد على مساحة تقارب 14 مليون كم مربع، تلك المساحة تزيد عن 10 % من مساحة اليابسة على هذا الكوكب، وتستحوذ على أضخم مصادر الطاقة المتجددة والغير متجددة فضلًا عن المعادن والأراضي الزراعية الشاسعة، وتشرف على خمسة ممرات وقنوات مائية هي من أهم ممرات النقل التجاري العالمي، ونستذكر وحدة اللغة والعرق والدين نصل إلى نتيجة أن تلك الإمكانات والثروات لا ينقصها لنكون قوة فاعلة في المجتمع الدولي سوى وحدة بيننا مرتكزة على المصالح العليا للأمة، ولتكن وحدة اقتصادية إن لم تكن سياسية. ودعنا رمضان وثلث سكان المنطقة العربية يقعون تحت خط الفقر رغم الزيادة في النمو الاقتصادي، وقد سجلت المنطقة العربية أعلى معدلات التضخم عالميًا وبنسبة تفوق 12 % كما ورد في تقرير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الأسكوا) حيث أفادت بارتفاع مستويات الفقر في المنطقة العربية في عام 2022 مقارنة بالسنوات الماضية ليصل عدد الفقراء إلى ما يقرب من 130 مليون شخص، أي ما يمثل ثلث سكان المنطقة، باستثناء دول مجلس التعاون الخليجي وليبيا. ودعنا رمضان بإخراج زكاة الفطر ونتساءل إذا كان عدد المسلمين في آخر إحصائية بلغ ملياري مسلم فهناك على أقل تقدير مليار مسلم يخرجون زكاة الفطر بمعدل 4 دولارات للفرد أي ما يزيد على 4 مليارات دولار سنويًا، فأين تذهب تلك الأموال التي تضخ سنويًا في مؤسساتنا الخيرية في طول الوطن الإسلامي وعرضه؟ أما إذا ما اعتبرنا زكاة المال فنحن نتحدث عن ناتج محلي إجمالي لدول منظمة التعاون الإسلامي يصل إلى 6.7 تريليون دولار تعادل زكاته 170 مليار دولار سنويًا نستطيع من خلالها القضاء على الفقر والبطالة والأوبئة وأن نضمن حياة كريمة ومصدر رزق للجميع فيما لو وجهت تلك الأموال واستثمرت في الاتجاه الصحيح، والشيء المحيّر هو أن واقعنا عكس ذلك تماماً فالقفر والبطالة في ازدياد وكأنما تلك الأموال من صدقات وزكوات وتبرعات ترمى في ثقب أسود. هذا والله من وراء القصد