11 سبتمبر 2025
تسجيللم تكتمل فرحة الهدنة في اليمن، حتى اشتعلت في السودان. هذا هو حال منطقتنا العربية، وسط تصريحاتنا الرسمية الروتينية الداعية لرفض التدخلات الأجنبية، بالتزامن مع برامجنا الإعلامية التي تطرح التساؤلات نفسها الصباحية والمسائية: ما هو موقف واشنطن من الهدنة؟ وما هو رد فعل واشنطن من النزاع المُسلح؟ وماذا وراء الأحداث التي اندلعت، وكيف يرد القائد الأعلى على الاتهامات العسكرية، فيما من الطبيعي أن تتواصل الافتراءات الصهيونية على الحياة الفلسطينية الرمضانية. مشهد معتاد، مع تحرك عاجل للجامعة العربية التي اتفق أعضاؤها لحظة توقيعهم ميثاق التأسيس «على ألا يتفقوا»، والسبب ببساطة أن قرارتهم يجب أن تكون الإجماع. هذا الإجماع الذي يُشبه الكمال، والكَمال ليس من سمات البشر، فكيف بحال الحكومات والدول؟ لذا، البقاء في دائرة النزاع هو القاعدة، والإجماع هو الاستثناء. ومن هنا فإن الانقلابات على المواثيق والاتفاقيات هو لعبة موسمية يشغل بها العسكر نفسه في المنطقة العربية. والمذهل في هذه الديناميكية، مرونة بعض الأجهزة العسكرية في تنفيذ التعليمات الداخلية ذات الميول الخارجية، وارتباط مهمة الدفاع عن الأوطان بمزاج رأس الهرم وخلافاته الداخلية والخارجية، حيث تنفيذ الأوامر السياسية يعلو ثقافة المؤسسة العسكرية، والطمع بالانتقال من السلطة العسكرية إلى السلطة السياسية نهج كرسته أغلب الدساتير العربية. ففي بلادنا، يخلع العسكري البزّة المرقطة، ويرتدي بدلة الرئاسة ذات الماركة الأجنبية. والعقلية واحدة: تنفيذ الأوامر من سلطة تعلو سلطته الحالية، والقضاء على كل من يخالفه الاستراتيجية. وقد برز هذا النموذج في جمهوريات تميزت في السابق بفصل القيادة العسكرية عن السلطة السياسية، مثل لبنان، الذي حكمته في السنوات العشرين الأخيرة البزة المدنية من خلفيات عسكرية. ارتباط السياسة بالنياشين ليس فكرة عربية ولا ظاهرة حديثة، فالملوك والأمراء والأباطرة عبر مختلف الحضارات، كانوا يتولون قيادة القوات العسكرية، وكان أبناء الأباطرة والملوك يتعلمون المبارزة والقتال والتكتيكات العسكرية قبل الفطام. وقد نجحت وجوه عسكرية في بناء مؤسسات مدنية متقدمة، مثل حقبة الرئيس فؤاد شهاب في لبنان، وشارل ديغول في فرنسا، ومصطفى كمال أتاتورك في تركيا، وغيرهم. ولكن الذي تغير في العالم اليوم، وبقي على حاله في دولنا العربية، هو الاعتراف العالمي بتراجع المعيار العسكري في إحداث التغيير بمسار العلاقات الدولية الداخلية والخارجية، لصالح المعايير التكنولوجية والرقمية والإعلامية والاقتصادية وغيرها، وتفوقها في كثير من المعارك والحروب السياسية. وفيما يتقدم العالم بهذه المعايير علينا، ما زالت تخدعنا الأوسمة وتغرنا النياشين التي تُسيطر على عقولنا وتنخر في مؤسساتنا.