02 أكتوبر 2025

تسجيل

«الشاعر الواعد».. ريادة تستحق الإشادة

17 أبريل 2013

يحسب للمركز الثقافي للطفولة في دولة قطر إطلاق برنامج " الشاعر الواعد" الذي اختتم قبل أيام قليلة فعاليات نسخته الأولى، بالإعلان عن أسماء الفائزين بالمراكز الثلاثة الأولى لهذا اللقب وتكريمهم، من بين اثني عشر ناشئاً تأهلوا إلى المرحلة النهائية لتصفيات المنافسات الخاصة بهذا البرنامج. ويحتل هذه البرنامج أهمية خاصة لعدة اعتبارات أهمها : ـ الريادة في مجاله على مستوى دولة قطر، وربما هو كذلك على مستوى الخليج والدول العربية. ـ الاهتمام بمسألة تنمية مواهب وملكات الأطفال، التي لا تحظى باهتمام كبيرٍ وكافٍ في عالمنا العربي، على مستوى الأسر أو المحاضن التربوية أو على مستوى الدول والحكومات، وكثير من هذه المواهب قد تُوأَد في مهدها، لأنها لا تجد من يأخذ بيدها ويقوم برعايتها وصقل إمكاناتها. وتكتسب هذه المسألة أهمية خاصة عندما يتعلق الأمر بالإبداع في المجالات الأدبية، شعرا وقصة ومسرحاً، لأكثر من سبب، من بينها غربة أجيالنا عن لغتهم العربية، لأنّ كل الأجواء المحيطة بها تهوّن من شأنها، أو تدفعهم دفعا للهيام بغيرها، وتُعلي في المقابل من شأن اللغات الأجنبية وبخاصة الإنجليزية على حسابها، أو بسبب ازدواجية اللغة التي نعيشها بين البيت والمدرسة ( العامية الدارجة والفصحى)، أو نتيجة لاستخدامهم "العربيزية" المنطوقة (خلطة غريبة تجمع بين العربية والإنجليزية بآن معا) في حديثهم أو عند إصغائهم لها في بعض وسائل الإعلام، أو" العربيزية" المكتوبة التي يعتمدونها في التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي والمحادثات " الشات"، وهي باختصار هي كتابة الكلمات العربية باستخدام الأرقام والحروف الإنجليزية، حيث تستخدم الأرقام من 1-9 للتعبير عن بعض الأحرف العربية التي لا وجود لها في الإنجليزية، كـحرف الخاء الذي يستخدم عوضا عنه الرقم 5، ورقم 6 للتعبير عن حرف الطاء، و7 عن الحاء وهكذا، نظراً لارتباط ذلك في أذهانهم بالعصرنة والمباهاة والتعالي عمّن حولهم، زعما منهم بأن اللغة الأجنبية هي لغة الحداثة والرقي والعلم. ثم لأن التركيز في مجالات تنمية المهارات ينصب في الغالب الأعمّ على المواهب العلمية كالتقنيات أو الفنية كالرسم والموسيقى وما شابهها. وحتى لو وجدنا من يتحدث عن الشعر ويرغب بنظمه في أوساط الناشئة والشباب، فإن ذلك ينصرف إلى الشعر الشعبي أو النبطي، وليس للفصيح، والعمودي منه أو شعر التفعيلة، حتى كادت علوم وفنون ترتبط به كالعروض والبلاغة والإلقاء تندثر إلا قليلا. ـ تصميم البرنامج الذي تمّ بعناية بدءا من اختيار أصحاب المواهب الحقيقيين، ومروراً بتلقيهم للتدريب على يد أكاديميين مختصين، وشعراء مبدعين، وانتهاء بتكريم المتميزين، بما يليق بهم، وتوفير مناخات مناسبة لهم لمواصلة ممارسة هوايتهم وتعزيزها لديهم، بعد انتهاء دورة البرنامج السنوية. وقد سبق للمركز أن صمم عدداً من البرامج الأخرى في مجالات تنمية المواهب لدى الأطفال والناشئة التي قلّما نشط فيها غيره، سواء الإعلامية كبرنامج " إعلامي المستقبل" أو الخطابة كـ " الخطيب الواعد"، وثمة برامج أخرى يستعد لإطلاقها، ضمن هذه السلسلة، كـ " الباحث الواعد" و" الفصيح والواعد"، وهو ما يجعله متخصصاً في هذه الجوانب التي مازال الفراغ فيها كبيرا. ورغم ما يحسب لهذا البرنامج من ريادة وتميز ونجاح إلا أنه لا بد من الإشارة إلى بعض الثغرات والهنات التي يمكن معالجتها مستقبلا، أرجو أن يتسع صدر القائمين عليه لها، غِيرةً منّا على هذا البرنامج، ورغبة في أن يتبوأ المكانة التي يستحقها، ولعل أهمها : ـ الديوان الشعري الأول، الذي وزع في الحفل الختامي، وتضمن نصوص قصائد الطلبة الذين تأهلوا للتصفيات النهائية، إذ كان مليئاً بالأخطاء الإملائية والطباعية، وهو لا يتناسب مع برنامج يهتم بالإبداع الشعري، فضلا عن أن الأخطاء تشوّه القصائد، وتؤدي إلى الإخلال بأوزانها العروضية. وإذا كانت الأخطاء النحوية والإملائية والطباعية مزعجة في كتب ومطبوعات الكبار، فإنها أكثر إزعاجا في الكتب والمطبوعات الموجّهة للصغار، وبخاصة عندما يتعلق الأمر بالشعر. ـ أخذا بعين الاعتبار الشريحة العمرية، وكونها التجربة الأولى للمشاركين؛ فإن المستوى العام للقصائد كان عادياً، وغالبيتها أقرب إلى الأعمال الموزونة المقفاة، باستثناء قصيدتين أو ثلاث. بل إن بعضها تعتريه آفة الخلل العروضي، ولعل مردّ ذلك إلى أنها التجربة الأولى للبرنامج، حيث لم يتم تعميمه على طيف واسع من المدارس، وباعتبار أن البرنامج كان يبحث عن الامتداد الأفقي في نسخته الأولى، حيث يمكن أن يفرز أعمالا إبداعية ذات مستويات أفضل في الأعوام القادمة بإذن الله. أشيرُ إلى هذا الأمر للتأكيد على معنى لا أظنه يغيب عن ذهن القائمين على البرنامج ألا وهو الحرص على حدود دنيا من الشروط الإبداعية في الأعمال الأدبية، بحيث لا يكون مقبولا التنازل عنها، حتى وإن كان الأمر يتعلق بتنمية المواهب عند الأطفال والناشئة، تماما مثلما يتم أحيانا عند حجب جائزة ما لعدم ارتقاء العمل المقدم لها إلى المستوى المطلوب. ومثل هذا الأمر لا يتعارض مع التشجيع ودعم الأطفال الموهوبين بحال من الأحوال. ولأن القائمين عن البرنامج تحدثوا في أدبياته عن خطة أعدوها لتبني الشعراء الواعدين إعلامياً وثقافيا بعد انتهاء حفل التكريم، فإنه لا بد من التنويه بفائدتها الكبيرة لأنها تضمن ديمومة تعزيز هذه المواهب وترقيتها، وتوفير الدعم المتواصل لها، والعكس صحيح. نتمنى للبرنامج مزيدا من التألق، وللقائمين عليه اطراد التقدم والنجاح والسداد، مع النسخ التالية منه.